خلال الأعوام القليلة الماضية شهد المجتمع السعودي مشاركة مجتمعية منقطعة النظير حول الجامعات وأهميتها، وأثرها في التنمية، ووجوب إنشاء المزيد منها. ولم يكن الإعلام بنوعيه التقليدي (الورقي) والجديد (الإلكتروني) بعيداً عن ذلك الحراك المتحمّس والنشط، بل إن بعضاً من الكُتّاب قد ذهب بعيداً في الإصرار على ترويج مطالباته أو مطالبات من يُمثّلهم مناطقياً، بإنشاء جامعات جديدة في مدينته أو منطقته، بل أن منهم من اعتبر أن عدم الرد –مباشرة- على طلبه؛ فيه إهمال أو تهميش لتلك المدينة أو تلك المنطقة من ربوع المملكة. في هذا المقال لن أشارك الكُتّاب حماسهم من جهة، أو أُفنِّد خطأ مطالباتهم، إن كان هناك خطأ في نظري من جهة أخرى. فمن حيث المبدأ أُجزم أن هناك حاجة لإنشاء مؤسسات تعليمية جامعية في طول البلاد وعرضها. لكن محور حديثي سينصب على وجه آخر ومخالف، لما تعوّد الناس طرحه حين الحديث عن أهمية استحداث جامعات جديدة. يُلخِّص د. جميل سالمي (مُنسِّق البنك الدولي حول التعليم الجامعي) Jamil Salmi, World Bank Tertiary Education Coordinator رؤيته في مقال بعنوان: (الأخطاء العشرة المصاحبة لإنشاء جامعة جديدة ذات مستوى عالمي) Ten Common Errors When Building a New World-Class University. وهي من الأهمية بحيث أنصح من يتصدَّى لهذا الشأن أن يطلع عليها قبل الخوض فيه، وأُحاول هنا أن أُركِّز على مجموعة من الأخطاء التي ذكرها (بنصها الأصلي) على النحو التالي: الخطأ الأول: Build a magnificent campus; expect magic to happen ويقصد أن تتصوّر أن بناء مدينة جامعية راقية وحديثة، يعني أنه أصبح لدينا جامعة ذات مستوى عالمي، فالمباني لوحدها لا تكفي لذلك. الخطأ الثاني: Import content from somewhere else. أي أن تستورد الجامعة (مناهج وأنظمة وضوابط) من مؤسسة أكاديمية أخرى مهما علا شأن تلك الجهة، وتظن بذلك أنك أنشأت توأم الجامعة المصدرة، ووصلت إلى مستواها الأكاديمي! الخطأ الثالث: Delay putting in place the board and appointing the leadership team ويظن الناس أن قرار إنشاء الجامعة هو الأهم، وأن استقطاب القيادات الأكاديمية يأتي فيما بعد. الخطأ الرابع: Rely exclusively on foreign academics without building up local capacity وكما يقول سالمي، فإن في الاعتماد الكامل على الكادر الأجنبي تهديد دائم للجامعة الجديدة، وقلّ أن تجد من غير المواطنين مَن يبذل لها في أيامها الأولى كما تريد وتتمنى. على مدى الفترة الماضية تعدّدت تصريحات الكثير من قيادات التعليم العالي عن حجم ما تُعانيه الجامعات الناشئة من ندرة "أعضاء هيئة التدريس المؤهلين"، حيث أن الطلب عليهم قد تضاعف بعد إنشاء ما يزيد على ال25 جامعة جديدة، كما وأن المدن الجامعية الجديدة ما تزال تحت التنفيذ، ولابد من إعطاء الزمن حقّه لتكتمل وتزدهر تلك الجامعات الناشئة الجديدة. ويبقى السؤال، هل يُريد دُعاة إنشاء الجامعات الجديدة أن تُستحدث الجامعات وتنشأ "كيفما اتفق"؟ ثم نبدأ بعد ذلك التفكير في كيفية تشغيلها وتزويدها بالكوادر الأكاديمية والإدارية؟، هل سيرحم هؤلاء الكُتّاب المسؤول غداً إذا واجه مدير هذه الجامعة الجديدة أو تلك صعوبات في استقطاب أعضاء هيئات تدريس ملائمين، أو لم يتمكن من إيجاد مبان مناسبة تخدم العملية التعليمية بصفة مؤقتة لحين الانتهاء من المباني الدائمة للجامعة؟ أجزم حينها أن كل المطالبين السابقين بإنشاء الجامعة، سينسون حماسهم ومطالبهم، وسيقفون بكل ما أوتوا من قوة وحجة في وجه من لا يوفي بتطلعاتهم وزيادة!. أختم مؤكداً على أننا بقدر حاجتنا كمجتمع طموح للنمو السريع، ورغبتنا في أن نرى كل ما نحلم به واقع وحقيقة، إلا أنني أخشى وبشدة من أن حرق المراحل والتسرُّع في إنشاء جامعات ليست على قدر الطموح والمستوى، لم ولن يكون هو الطريق الصحيح البتة... وبالله التوفيق. نقلا عن المدينة