التحقت مجموعة من جامعاتنا السعودية بركب الخمسمائة جامعة الأوائل في بعض "التصنيفات الجامعية الدولية"، ولا أشك أن مجموعة أخرى من جامعاتنا سوف تلحق بها في الدورات التصنيفية القادمة.. برغم أهمية هذا الإنجاز ودلالاته، لكنني وكثير من المهتمين بالتعليم العالي، نتحفّظ على اعتباره "أبو الشهادات"! أو "أمّ الإنجازات"!، والذي بعده تستريح الجامعات وتمدد ساقيها وتتنفس الصعداء أن قد أدّت ما عليها!! وأصبحت "الجامعة السعودية الأفضل". هذا الأمر دفعني للبحث عن توصيف ل"الجامعة الأفضل"، واليكم ما أعتقد أنه كذلك، لبعض المواصفات، التي تشمل الأمور التالية: 1. التميّز الأكاديمي والعلمي للخريجين: إذ أن العبرة ليست بعدد الخريجين، ولكن بنوعيتهم وتميزهم مما يدفع سوق العمل لاستقطابهم حتى قبيل تخرجهم بأشهر. 2. وفرة برامج الدراسات العليا ذات المصداقية: بحيث يصبح الخريج منها إضافة حقيقية إلى تخصصه، ويساهم من خلال بحوثه في الدراسات العليا ببراءات اختراع، وينتقل بها إلى أن يكون أحد "رواد الأعمال"، وتتسابق إليه الشركات والمؤسسات لاستقطابه وتبني أبحاثه وإنجازاته. 3. إنجاز الشراكات المجتمعية "الحقيقية" -وليست الصورية- التي يُراد منها تجميل السيرة الذاتية للجامعة، ولكنها التي تساهم في كل جوانبها في تطور المجتمع الصغير (المدينة أو المحافظة) والوطن في عمومه، بالإضافة لتفعيل برامج خدمة المجتمع ذات التأثير الحقيقي في فكر وسلوكيات وممارسات المجتمع المحيط. 4. تنفيذ ونشر المئات أو الآلاف من البحوث العلمية ذات التأثير الحقيقي في تطور المجتمع السعودي، وذات الأصداء الدولية المؤثرة، والتي تتحول إلى مشروعات وطنية (صناعية واقتصادية وتربوية... إلخ). بعيدًا عن حملات العلاقات العامة بالجامعات، ومع استصحاب بعض الحقائق والوقائع من حيث قلة وندرة "أعضاء هيئات التدريس المميّزين بالجامعات"، و"قلة الخبرة في البحث العلمي"، وحداثة نشأة غالبية الجامعات، لكل ذلك وأكثر: هل تستطيع أي جامعة أن تدّعي أنها "الجامعة الأفضل"؟! سأكون منصفًا إذا قلت: إن جامعاتنا كلها تسير على الطريق الصحيح، وبسرعاتٍ متفاوتة، وكلها تطمح أن تكون الأفضل، ويحقّ لها ذلك، بل هي مطالبة من قِبَل مسؤولي التعليم العالي وولاة الأمر بذلك، لكن دون تحقيق ذلك شروط ومتطلبات منها: "العامل الزمني"، و"تراكم الخبرات"، ووجود "الكتلة الحرجة من الهيئات التدريسية التي تقود العملية التعليمية والبحثية وتطور العلاقة بالمجتمع.. قطعًا سوف نحتاج إلى سنواتٍ وسنوات للوصول إلى كل ذلك، وإلى أن نصل، فلا يمكن أن نتوقف بانتظار تلك اللحظة الموعودة, كما أنه لا يمكننا أن نستمر متأرجحين تقدمًا وتأخرًا، ونحن نتعامل مع مئات الآلاف من طلبتنا سنويا. إنني أعتقد أن "زمن الخروج من الشرنقة" قد أطلّ علينا ويفرض نفسه بقوة. إن جامعاتنا قد شرّقت وغرّبت من خلال اتفاقيات للتعاون الدولي مع جامعات ومؤسسات بحثية عالمية، ونسيت أو تناست أن من الأوجب أن نترك الانكفاء على الذات و"التشرنق" بين جامعاتنا السعودية، وألا تهمل مفهوم "التكامل بين جامعاتنا" كخيار استراتيجي نرتقي به جميعًا، ونختصر المسافات والأزمنة، ونتمكن من الاستفادة من كوادرنا التعليمية والبحثية المميزة بشكل مشترك وتراكمي. أجزم أن مديري جامعاتنا سيُرحّبون بالتعاون التكاملي بين جامعاتهم، بل وسيدفعون فيه بقوة، وسنرى أثر ذلك بحول الله في القريب العاجل.. وبالله التوفيق. نقلا عن المدينة