لا يوجد متقاعد واحد لم يسمع عن وجود مصلحة معاشات التقاعد فهو منذ بداية التحاقه لأول مرة بالوظيفة في شبابه عندما يستلم راتب اول شهر له في وظيفته سيستلمه ناقصا بمقدار 9 % تؤخذ منه وتعطى لمصلحة معاشات التقاعد. رغم ذلك لن يشعر هذا الموظف بالغبن بل سيرحب بنقص راتبه لأن إدارة شؤون الموظفين اكّدت له بأن مصلحة معاشات التقاعد تضمن استمرار صرف راتبه بعد تقاعده فهي ستستثمر هذا المبلغ نيابة عنه ثم تعيده له مضاعفا نهاية كل شهر مدى حياته ليعيش عليه عندما يبلغ سن التقاعد ويفقد وظيفته فيشعر بالأمان والاطمئنان على مستقبله ومستقبل من يعولهم. لكن إذا لم يكن يوجد في البلد سياسة اقتصادية للمحافظة على استقرار الاسعار (الحد من ارتفاع نسبة التضخم) ومنح المتقاعدين – شأنهم شأن الموظفين – علاوة في المعاشات تعوضهم عن انخفاض القوة الشرائية لمعاشاتهم فإنه لن تمضي سنوات قليلة بعد تقاعدهم حتى تعجز معاشاتهم عن توفير نفس السلة الغذائية التي كانوا يشترونها عند بداية تقاعدهم ويتحوّلون تدريجيا الى حد الفقر المدقع. عندها يشعر المتقاعدون بالغبن والقهر ويعتقدون بأنه قد غرّر بهم فلم يعد معاشهم التقاعدي – كما قيل لهم – يكفي لسد الرمق ولكن ليس بإمكانهم كفرادى الاعتراض لأنه أساسا لا يوجد في نظام التقاعد ما يلزم – بشكل صريح – مصلحة معاشات التقاعد بتعويضهم عنما يسرقه اللص الخفي (التضخم) من معاشاتهم التي يقتاتون منها ويعطيه لمؤسسة التقاعد. في المقابل قليل القليل من المتقاعدين سمعوا بوجود جمعية تسمى جمعية المتقاعدين وحتى هذا القليل الذين سمعوا بها لا يعرفون ماذا تستطيع ان تقدمه لهم هذه الجمعية التي تحمل اسمهم. جمعية المتقاعدين أنا أيضا لم أكن اعرف (حتى وقت كتابة هذا المقال) شيئا غير ما تتناقله عنها بعض الصحف من اخبار بأنها تسعى حثيثا بشكل حضاري للمطالبة بحقوق المتقاعدين. لكن ما هو أهم شيء الذي يأمل المتقاعدون ان تحققه لهم جمعيتهم. المتقاعدون لا يهمهم ان يتحقق لهم شيء بقدر ما يهمهم تحقيق شيء وحيد لا يمكن ان يعوّضهم عنه مهما أعطيت لهم من المزايا الأخرى. ألا انه المحافظة على القوة الشرائية لمعاشاتهم فلا يأكلها التضخم تدريجيا بحيث بعد مرور عدة سنوات من تقاعدهم لا يستطيعون ان يشتروا بمعاشاتهم ما كانوا يستطيعون شراءه في السنوات الأولى من تقاعدهم. هذا يجعلنا نؤكد بأنه يجب على جمعية المتقاعدين ان يكون هدفها الأول – ثم الثاني والعاشر مكرر – هو المطالبة بصرف علاوة سنوية للمتقاعدين فلو استطاعت تحقيق ذلك تكون قد حققت المطلوب منها وإذا لم تستطيع فإن جميع ما تحاول تحقيقه من الأشياء الأخرى ثانويات. قد تكون حجة مؤسسة معاشات التقاعد (تحت اشراف وزارة المالية) ان إعطاء المتقاعدين علاوة سنوية ستكلفها مصروفات إضافية قد تعجز مواردها المالية عن تلبيتها في المستقبل. هذه الحجة خطأ – مية المية – لأنه يجب ان نعرف ان إيرادات مؤسسة التقاعد السنوية لا يمكن ان تقل عن 18 % من إجمالي مصروفات الرواتب – بما فيها العلاوات السنوية – للموظفين. العلاوة السنوية لمعاشات المتقاعدين – اسوة بعلاوة الموظفين – هي الضمان الوحيد للحيلولة دون تآكل معاشاتهم. ولا يوجد مبرر لاعتراض مؤسسة التقاعد بحجة عدم وجود إيرادات كافية لتغطيتها، لأنه كل سنة عند احتساب العلاوة السنوية للموظفين يتم – بموجب النظام – إضافة ما يعادل 18 % منها الى إيرادات مؤسسة التقاعد. حيث يخصم 9 % من الرواتب (والعلاوات) المصروفة للموظفين، وتدفع الحكومة حصة مماثلة (9 % اخرى) الى المؤسسة. هكذا فإن صرف العلاوة للموظفين تعني – تلقائيا – زيادة إيرادات المؤسسة بنسبة 18 % من مقدار العلاوة. اي لا تحتاج مصلحة التقاعد الى إيجاد مصادر جديدة لصرف علاوات للمتقاعدين. مثال: إذا افترضنا ان اجمالي العلاوة الممنوحة للموظفين في سنة ما بلغت 5.6 مليارات ريال فإن الزيادة في إيرادات مؤسسة التقاعد – تلقائيا – ستبلغ 1.01 مليار ريال. وهي تكفي لمنح المتقاعدين علاوة سنوية بنفس المعدلات التي تحسب بها العلاوات السنوية للموظفين (حوالي 4 % من المعاش الأساسي). وقد يتبقى لدى مؤسسة التقاعد وفورات – يمكننا حسابها بدقة – تستطيع ان تضيفها الى استثماراتها الاخرى التي لا نعرف غير قليل القليل عن مقدارها الاجمالي وأماكن وطرق استثمارها ومعدلات العوائد عليها وهل هي تربح ام تخسر. جمعية المتقاعدين جمعية وليدة لم يتجاوز عمرها الثماني سنوات. وقد ترأس مجلس ادارتها خلال دورتها الأولى الأكاديمي عالم الآثار المعروف البروفسور عبدالرحمن الانصاري. ثم تلاه في دورتها الثانية أواخر عام 1430 الفريق متقاعد عبدالعزيز هنيدي (قائد القوات الجوية السعودية سابقا) وهو ناشط نشيط في الشأن العام وحماية البيئة وحقوق الانسان. وهو الآن يبذل جهودا مضنية عن طريق الزيارات والاتصالات بالمسؤولين لتحقيق أهداف الجمعية أهمها (الذي تتضاءل بجانبه جميع الأهداف الأخرى) هو منحهم العلاوة السنوية للحيلولة دون ان يتحول المتقاعدون تدريجيا بسبب ارتفاع الاسعار الى جوعى لا يستطيعون شراء السلة الغذائية التي كانوا يشترونها في بداية تقاعدهم. رغم ان جمعية المتقاعدين حتى الآن لم تستطع (ربما لعدم وجودها حينذاك) ان تحقق الهدف الأم وهو العلاوة السنوية التي كان من المفروض ان يتقرر منحها للمتقاعدين مع صدور قرار تمديد سنوات منح علاوات الموظفين الى 15 درجة الا انه يجب عليها الآن ان تجعله هدفها الأول. تتكون الجمعية من 16 فرعا قابلة للزيادة من جميع مدن مناطق المملكة وهكذا يبدو انها تلاقي الاقبال من فئات معينة من المتقاعدين في مختلف المناطق. ولكن لم يتضح ما هو العدد الإجمالي من المتقاعدين الذين استطاعت الجمعية ان تجذبهم لعضويتها رغم ان الرسم السنوي للعضوية رمزي فهو 300 ريال للعضو العامل و100 ريال للعضو المنتسب. الجمعية يجب ان لا تكتفي بمطالبة الجهات المسؤولة ثم تنتظر تجاوبهم مع مطالبها. بل ينبغي ان تبادر بالعمل المستقل على سبيل المثال: انشاء جمعيات تعاونية استهلاكية بقروض حسنة من مؤسستي التقاعد والتأمينات او بفوائد منخفضة من البنوك بضمانة وزارة المالية، وإقناع المتقاعدين بفوائدها والمساهمة فيها، وحث القادرين منهم (او حتى زوجاتهم وأبناءهم) بالعمل تطوعا ولو جزئيا Part time وهذا سيلاقي إقبالا من المتقاعدين لأن عدم تقاضيهم اجورا سيجعل تطوعهم نوعا من العبادة فيشعرون بالارتياح النفسي وملء وقت فراغهم والوجاهة والتفاخر بأنهم لا زالوا قادرين على العطاء. نقلا عن الرياض