لا شك أن محمد عابد الجابري عرف بنقده «العقل» كأداة منتجة وليس كمضامين، إذ كثيرا ما راكم الفكر العربي معارف ومنتوجات في الفقهيات والكلاميات والفلسفات، لكن هذا الفكر لم يستطع أن ينتقد الأداة المفكر بها ومن هنا كانت فرادة الرجل في فتح حقل من حقول التأمل والتفكير الذي تبلور في مشروع نقد بنية العقل العربي.تعاطي العقل العربي مع أول تجارب العرب في الديموقراطية قياسا بالعقل الآخر الذي تعامل مع نفس التجربة خارج إطار المنطقة العربية على النقيض تماما وانكسر على حدودها الأربعة ومن جميع الجهات، جعلني أعود مرة أخرى لمطالعة بعض أجزائه الأربعة التي كانت تتجسد في المعالجة البنيوية والمعالجة التاريخية والطرح الآيديولوجي.ولذلك فإن تحليل الخطاب النهضوي العربي من قبل الجابري من خلال الثنائيات الفكرية والآيديولوجية كان باعثا على كشف زيفها وتناقضاتها ليس على مستوى الواقع الاجتماعي والسياسي بل وعلى مستوى الفكر والعقل برمته.أما في خضم فحصه بنية الخطاب السياسي العربي وكشف تناقضاته ومآزقه، فلم يتردد الجابري في القول إن ما هو غائب ليس المعقولية وحدها في التعامل مع الأحداث، وإنما العقل ذاته وهو ما تثبته التجربة الديمقراطية المصرية بكل أبعادها.وجاء من ظهروا بعد الجابري ليرسخوا فكرة الوجدانية مقابل العقل في التعاطي مع الأحداث وهو ما يثبته تعاطي الصحافة العربية وبعض القنوات الفضائية الشهيرة والتي كرست تغلغل هذه الوجدانية ليس في الخطاب السياسي فحسب وإنما في الضمير العربي ككل. نقلا عن عكاظ