لم تحدث معجزة الساعة الأخيرة أو تتحقق رهانات اللحظة الأخيرة التي كان يترقبها الرئيس مرسي وأنصاره، أو جماعة الإخوان المسلمين ومكتب إرشادها وحزبها السياسي، وكان مؤكدا أنها لن تحدث عند تحكيم العقل والمنطق وقراءة الواقع بمدارك وحواس طبيعية. المعجزة الحقيقية التي نابت عن المعجزة الوهمية المنتظرة، هي ذلك الطوفان الذي لا حد له من المصريين الذين أصروا على رحيل مرسي الذي تخبط كثيرا بعد أن ورطته جماعته وتركته وحيدا بمهارته السياسية المتواضعة جدا التي جعلته يمارس ما يشبه الانتحار العبثي بتضييع الفرصة تلو الأخرى إلى أن أصبح في لحظات الرئيس المعزول، وتحولت الجماعة من موقع القوة والسيطرة إلى محاولة البحث عن النجاة من غضب شعبي جارف. إن القول بأن الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب وفق آليات الديموقراطية ليس دقيقا، إلا إذا اختزلنا مصطلح المدني مقابل العسكري فقط وهذا ليس صحيحا. مدنية الحاكم بمعناها العام والأصح أن يكون متجردا من أي أيديولوجيا ضيقة يضع نفسه في دائرتها ويحكم شعبه وفق مبادئها وشروطها، مهما كان توصيف هذه الأيديولوجيا ومرجعيتها، وذلك لم يكن منطبقا على أداء الرئيس مرسي خلال فترة حكمه القصيرة التي لم يرد أو لم يستطع الانعتاق خلالها من فلسفة الجماعة في الحكم التي أودت به وبها إلى هذا المصير. بلد عريق بمؤسساته المدنية وطيفه الفكري والثقافي الواسع يستحيل حكمه بمنطق وفكر جماعة ترى أن الإرادة الإلهية أوجدتها لتحكم بمنطقها فقط وترغم الجميع على الرضوخ له، ولأنه منطق خاطئ وغير صالح لتسيير مجتمع إنساني كان طبيعيا أن يقاومه الشعب الذي رأى وطنه ينجرف سريعا إلى الانهيار. رغم كل الأزمات التي شهدتها مصر عبر مراحل مختلفة لم تكن مهددة بخطر متفاقم مثلما كانت خلال العام الماضي، فعلى الصعيد الداخلي كان تآكل الاقتصاد وذوبان المؤسسات والتعدي على الحريات ومصادرة استقلال القضاء واختطاف التشريع والإصرار على أخونة كل مفاصل الدولة وإقصاء بقية العقول والكفاءات، كان كل ذلك واضحا ومتزايدا دون إشارة على التراجع أو التمهل والإصغاء للأصوات الأخرى. أصبح الأمن أكثر هشاشة على المستوى الداخلي والقومي والدولة منصرفة عن ذلك لترسيخ أجندتها بينما مصر بكل منعتها وزخمها التاريخي تتحول إلى بلد يمضي في طريق إعلانه فاشلا. وعند مراجعة الفكر الإخواني نجد أن هذا طبيعي جدا في مكوناته وأدبياته، إذ لا مكان للوطن مقابل الأمة، ولا مكان للدولة الوطنية مقابل دولة الخلافة، هلوسات مدمرة تريد بها جماعة أن تدير في القرن الواحد والعشرين أكبر دولة عربية. ولم يقتصر الأمر على تفتيت مصر داخليا بإذكاء النار في النسيج الوطني والسلم الاجتماعي، إضافة إلى المصائب والمتاعب الأخرى، فقد تخبطت مؤسسة الحكم، أو جماعة الحكم في سياستها تجاه الدول الشقيقة الأكثر حرصا على مصر. إنها لم تكتف بالخراب الذي أحدثته داخليا، بل حاولت تصديره بشكل أو بآخر ومارست انتهازية بغيضة تحت أردية مختلفة، وحاولت افتعال المشاكل وإثارة الزوابع بواسطة كوادرها المعروفة والمتخفية، وراحت تقامر بعلاقات مصر التاريخية والأصيلة مقابل علاقات جديدة خطرة، وتتخذ مواقف سياسية متذبذبة تجاه الأزمات القائمة لا تليق بمصر وتاريخها، وكان من المضحك والمحزن أن تتيح الجماعة الحاكمة استباحة العقل المصري باستقطاب المؤدلجين من كل صوب ليملأوا فضاء مصر ضجيجا ضارا بمجتمعها وعلاقاتها ومستقبلها.وإلى الأيام الأخيرة كانت هناك أكثر من فرصة متاحة للجماعة لإنقاذ نفسها. كان بإمكانها مراجعة نفسها والتفكير في أن القدر قد منحها فرصة لم تتوقعها بعد ثمانية عقود من الصراع والانتظار ومن العبث أن تهدرها بهذه المجانية، لكنها لم تفعل لإنها غير قادرة على تغيير فكرها أو مراجعته على الأقل ليتواءم مع الحياة الطبيعية للمجتمعات، وهكذا ذهبت فرصتها التاريخية الأولى، وربما الأخيرة، أدراج الرياح. وما دامت الجماعة قد فشلت في المركز والمقر الحاضن، فإن فشل الفروع من باب أولى، إلا إذا اتعظت من التجربة المصرية وأقلعت عن أوهامها وكثير من أفكارها المسمومة التي تفسد حياة المجتمعات. نقلا عن عكاظ