إن إعداد طلاب المرحلة الثانوية للمشاركة في سوق العمل، وخصوصا في القطاع الخاص، تعتبر من أهم القضايا التي تشغل بال التربويين والسياسيين والاقتصاديين؛ لأنهم يمثلون الشريحة الأكبر بين المواطنين في سن العمل، علما بأنهم في المملكة يشكلون عدديا أكثر من (80%) من إجمال الكتلة الطلابية بمختلف مستوياتها ومراحلها.وذلك بعد أن استقر في مفهوم وقناعات صانع القرار السياسي والتربوي والاقتصادي أن المنافسة الاقتصادية والبقاء على قمة الهرم الاقتصادي العالمي في عصر العولمة يتطلب العمل على إحلال مفهوم جديد للتعليم بتعدي الفهم القائم على إكساب الطالب المهارات الأكاديمية النظرية وحشو ذهنه بالمعلومات إلى مفهوم بديل، وهو التعليم الشامل.ويقصد بهذا المفهوم إكساب الطالب وبخاصة طلاب المرحلة الثانوية العديد من المهارات المتنوعة والقيم التي يحتاجها المجتمع، وخصوصا سوق العمل، من خلال المناهج المدرسية، وذلك بعد أن اتضح وأصبح في حكم اليقين أن سوق العمل بالمفهوم الشامل هو المدخل الرئيسي للنمو الاقتصادي للدول والمجتمعات، بل وحتى للأسر والأفراد.لهذا عمدت العديد من الدول الصناعية كألمانيا واليابان إلى تطبيق برنامج «من المدرسة إلى العمل» من مدارسها الثانوية، وتقوم فكرة هذا البرنامج على إكساب طلاب هذه المرحلة المهارات المهنية، وقد ذهبت اليابان أبعد من الجميع حين عملت على إقامة وتمتين العلاقة بين الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص وبين المدارس الثانوية.ليس لتطور المجتمعات حدود ينتهي عندها، وإنما هو أفق مفتوح بلا حدود؛ لذا وحين اكتملت البنيات التحتية من برامج هذه الدول لتنمية مواردها البشرية اللازمة لتغطية احتياجات سوق العمل فيها، أخذ التركيز يقل على تزويد طلاب المرحلة الثانوية بالمهارات المهنية، وذلك بسبب التطور التكنولوجي الكبير والقفزة التي حققتها تقنية الاتصال والمعلوماتية، ما أدخل المزيد من التنوع في سوق العمل، والمزيد من الاحتياجات العلمية والعملية، وكان لا بد بالتالي للاستجابة إلى هذه الاحتياجات المستجدة من وضع تصور جديد في برامج التأهيل لسد هذه الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات واحتياجات سوق العمل.وحلت محل الحاجة إلى المهارات المهنية حاجة أخرى تتمثل في مهارات مختلفة ومتنوعة تواكب هذا التطور الجديد في سوق العمل الذي تغيرت معطياته.وقد توصلت الدراسات والأبحاث التي أنجزت في هذا الصدد إلى ضرورة العمل على تزويد الطالب بثلاثة أنواع من المهارات: اجتماعية وشخصية ومهارات كفاية.الأول يتمثل في القدرة على العمل الجماعي والتخاطب والقيادة والقدرة على التكيف، والواقعية .أما الثاني، وهو المهارات الشخصية، فتتمثل في الثقة بالنفس والطموح والاستعداد للتطور والقدرة على المقترحات وتنفيذها بروح المبادرة.وأما مهارات الكفاية، فتتلخص في أساسيات الحاسب الآلي والقدرة على الطباعة والاستعداد للتدريب، والقدرة على التفكير والإبداع.وعلى هذا، يتأكد لنا جليا أننا الآن يجب أن نعمل على وضع تصور جديد للعملية التربوية والتعليمية، يشارك في وضعها كل من له علاقة بالعملية التربوية والسياسية والاقتصاد في اتجاه التعليم الشامل نقلا عن عكاظ