لا يمكن الفصل بين الموسيقى والتطور الثقافي لأي بلد. التطور الصناعي أو التقني أو إنتاج السلع لا يعني وجود حضارة، وهذا ما ميز الحضارة الغربية أنها أشعلت الفنون كلها تبعاً لثورتها الثقافية والتنويرية. الأمم لا يمكن أن تنهض من دون موسيقى، يقول جون باور:"لقد وجدت حضارات بلا رياضيات وحضارات بلا رسم، حضارات حرمت من العجلة أو الكتابة لكن لم توجد حضارة بلا موسيقى". المهم أن هذا الفن له تأثيره على أمزجة الناس، فرق بين فرد يستمع إلى خطط الموت وبين شخصٍ آخر وضع السماعة على أذنه للتغذي من الموسيقى الجميلة الراقية. هناك علم يتطور اسمه "العلاج بالموسيقى" وهذا بدأ من عند ثقافتنا لكنه لم يتطور، وممن بدأه الفارابي. جاء في موقع اسفيري"لم يجهل العرب فائدة الموسيقى في الشفاء من بعض الأمراض النفسية والعصبية والعقلية فالرازي كان في ابتداء أمره موسيقياً عازفاً ممتازاً على العود، ثم ترك ذلك وأقبل على دراسة كتب الطب والكيمياء... فنبغ فيها جميعاً. ويبدو أن ذلك لم يمنعه من استخدام الموسيقى في أغراض العلاج فقد وردت إشارات في بعض المراجع لم يشر أصحابها إلى مصدرها، إلا أنه يغلب على الظن أن الرازي درس فائدة الموسيقى في شفاء الأمراض وتسكين الآلام، وقد توصل إلى هذه النتيجة بعد تجارب كثيرة قام بها". ولعل التجارب الحديثة أثبتت دور الموسيقى القوي في تغذية الجنين وتربيته قبيل الولادة، وبخاصةٍ موسيقى موتزارت التي يعشقها الأطفال والصغار والكبار، موسيقاه مثيرة للبهجة والسعادة وهي علاج لكثير من الأدواء النفسية أو حتى العصبية. الموسيقى ليست ترفاً أو موضوعاً ثانوياً بل هي شعلة الحضارة وأساس النهضة في الثقافات والأمم، لا نعتبر الموسيقى مجرد مسألة فقيهة، إنها أكثر من ذلك إنها الأداة التي تنظّم اليوميات للإنسان. الحياة اليومية تضبطها الموسيقى بالإيقاع الدقيق والفائق الذي يجعل من يومنا منظما ومرتباً. بآخر السطر، كان نيتشه يقول:"قد تكون الحياة من دون موسيقى غلطة"، لنتغذى على الموسيقى ونكتشف أسرارها بل ونكتشف أسرارنا بها فهي التي تكشف وتؤنس وتسلي وتنظم اليوم والوقت والزمن من خلال إيقاعها وسحرها. فلنهتم بالموسيقى بعمقها وليست ب"الطقطقة" التي تسمى موسيقى ظلماً. نقلا عن الوطن السعودية