تمر المملكة بعملية تصحر سريع نتيجة الرعي الجائر، والاحتطاب المفرط، وتدني الوعي بالتعامل مع البيئة الطبيعية من قبل المواطن والمسؤول، علاوة على ضعف وعدم فاعلية الجهود المبذولة، خاصة من قبل وزارة الزراعة والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية. هناك جهود متفرقة هنا وهناك من قبل هذه الجهات وغيرها، قليل منها ناجح، وكثير منها مصيره الفشل وهدر الموارد العامة. لمواجهة التصحر المستمر لا بد من اتخاذ إجراءات عملية واضحة، مثل استزراع الأشجار المحلية في مواطنها الأصلية، ودعم دراسات هندسة الجينات للوصول إلى أصناف قادرة على تحمل الظروف القاسية في البيئة الصحراوية، وتنظيم الرعي وفق الحمولة الرعوية للمراعي، إضافة إلى العمل على استحداث سدود طبيعية أرضية لتخفيف سرعة جريان الأودية، وإيجاد إدارة فاعلة، ولا يقل عن ذلك أهمية تكثيف التوعية في وسائل الإعلام والمدارس. ولا يُكتفى بالتوعية فقط، بل لا بد من إدخال موضوع التصحر وتنمية البيئة الطبيعية (بكثافة) في المناهج الدراسية. وقد نبه كثير من المتخصصين ومنهم الدكتور إبراهيم عارف (المتخصص في المراعي والغابات) إلى خطورة الوضع وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من التدهور البيئي المستمر. في الحقيقة، لا تكفي الجهود الحكومية بمفردها، فلا بد من إشراك المواطنين في هذا العمل الخيري لبلادنا، كل حسب استطاعته وإمكاناته. وهذا يتطلب إشراك الإنسان العادي في عملية الاستزراع والمحافظة على البيئة الطبيعية من خلال تنظيم العمل التطوعي في هذا المجال سواء بتوفير الشتلات أو القيام بعملية زراعة الشتلات في المناطق البرية. إضافة إلى ذلك أن الحاجة ملحة لتشجيع إنشاء جمعيات أهلية تُعنى بالبيئة وتنميتها لتكون الذراع التنفيذية للشركات عند رغبة الأخيرة في الاضطلاع بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع المحلي الذي تعمل فيه. فمن المعروف أن الشركات تخصص مبالغ كبيرة، لكون "المسؤولية الاجتماعية" أصبحت جزءا مهما من تقييم الشركات وتصنيفها. بعض مشاريع التشجير لا يمكن تسميتها إلا بالجهود العبثية، لأنها -على ما يبدو- لم تعتمد على دراسات جادة لاختيار الموقع المناسب، أو أصناف الأشجار، أو أسلوب الري والرعاية الدورية المثلى، ولم توفق في إدارة فاعلة وواعية! فعلى مدى العقود الخمسة الماضية، أنفقت الدولة ملايين الريالات في هذا المجال، ولكن لا نرى على الأرض ما يعادل ذلك الإنفاق، وهنا ينطبق المثل القائل: "فاقد الشيء لا يعطيه". والحقيقة المؤلمة أن الجهات المسؤولة عن هذه الجهود إدارات هزيلة تعتمد على عدد قليل من المختصين الأجانب، وتفتقر إلى الكفاءات الوطنية الفاعلة. في الختام لا يكفي استزراع الأشجار، وإنما من الضروري بذل جهود أكبر للعناية بالأشجار الموجودة في بعض الأودية وإجراء دراسات دورية لمعرفة الآفات والحشرات الضارة التي تنتشر في محيطها بين فترة وأخرى وتقضي على كثير منها، إضافة إلى رصد سلوكيات "الإرهاب البيئي" من قبل البشر تجاه هذه الثروة الوطنية المهمة لهذا الجيل الحالي والأجيال القادمة، فلا ينبغي المجاملة على حساب الثروات الغابية والنباتية الطبيعية. لذلك فقد حان الوقت لتقييم عمل الجهات المسؤولة في هذا المجال ووضع خطة عمل وطنية واضحة الأهداف والآليات ومؤشرات الأداء! نقلا عن الاقتصادية