المعرفة هي إدراك وفهم الظواهر والأشياء من حولنا والعلاقات القائمة بينها وتحويلها الى مفاهيم ومعاني وتصورات فكرية للحياة والكون بأسره ، وتحويلها إلى خبرات ومهارات هي حصيلة ونتائج للأفكار والحقائق والمعتقدات .. فالمعرفة يمكن أن تكون دينية , فلسفية , تأملية أو سياسية ... كما يمكن أن تكون علمية تجريبية تقنية أو فنية أو نظرية وهكذا.. وما يهمنا هنا الإشارة إلى العناصر المساعدة والطرق التي يمكن أن تسلك في نقل هذه المعرفة من مصادرها ، وتبلور أهم رأس مال وهو رأس المال البشري أي الإنسان ذاته والتي تكون بنظرنا اليوم هي الأهم لتقويم حال الأمة .. نحن نعلم أن هنالك الكثير من المعوقات والعقبات ، ومنها الكثير من المناهضين والمعارضين للتواصل مع الآخر متقوقعين على أنفسهم _ مجرد تقوقعهم هذا لا يهمنا كثيرا _ إلا اذا كانوا في موقع المسؤولية ليؤثروا سلبا على مسار نقل المعرفة .. والحقيقة نحن لا نعلم سبب تقوقعهم هذا أو خوفهم من التواصل مع الآخر وما هي مبرراتهم ولكن نعتقد جازمين أنهم على خطأ فلا مبررات منطقية أو علمية أو شرعية لمقاطعة العلوم ومصادرها .. حيث تواصلنا في الماضي مع باقي الحضارات التي سبقتنا وأخذنا منها كل ما استطعنا من العلوم وصهرناها في مختبراتنا العلمية وانتقلنا الى مراحل الابتكار الذاتي وصدرنا أجمل حضارة في القرون الوسطى حيث أيقظت أوروبا من سباتها العميق وأنارت لها ظلامها الدامس و هي محل تقدير العلماء والباحثين الى يومنا هذا .. ولكن بما أنه قد نملت أرجلنا من الوقوف طويلا، بل تخدرت أجسادنا تماما من هذا الركود الفكري الطويل والمزمن دون أن نتحرك كثيرا .. فنحن بحاجة وبسرعة إلى إعادة تأهيل حركتنا الفكرية والسير بسرعة والعمل الجاد والمضاعف والمكثف لا العمل لرفع العتب .. إن العمود الأساس والركيزة الأهم في المتغيرات الثقافية هي المعرفة حيث يحل دائما ما هو حقيقي علمي محل ما هو ظني وهمي أو نظري .. لا يزال يعتقد الكثيرون أن التعليم المدرسي العادي والاهتمام بالكم _ رغم أهميته _ لا بالكيف كافيا لأن ينقلنا من حال إلى حال أفضل وهذا وهم كبير في تطور المجتمعات ، ولا يمكن أن يتحقق دون حركة إبداعية فيها فهي الكفيلة بانتقال المجتمع الى الأفضل .. فالتعليم النوعي ومنه التعليم عن طريق نقل المعرفة ، هو المرحلة الأهم لتطوير قدرات ومعارف الفرد وبذلك المجتمعات .. وهناك الكثير من المجتمعات قد سبقتنا في ذلك وأعطت خير مثال في نقل شعوبها من شعوب مستهلكة فقيرة إلى شعوب منتجة ومصدرة ورائدة .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر ماليزيا ، كوريا الجنوبية ، البرازيل وغيرها .. فلا بد إذن من وضع سلم الأولويات المعرفية التي تساعد على تطوير الإنسان وقدراته الإبداعية ، ووضع خطط وبرامج واستراتيجيات واضحة يقوم عليها الخبراء والمختصون والمفكرون في هذا المجال ، كما يجب توفير المناخ الإبداعي المناسب والمشجع والحامي للأفكار والمفكرين وتضافر كل الجهود لإنجاحها .. وبما أن التحديات كبيرة والحاجات عظيمة والقدرات المالية والبشرية متوفرة ، لابد من الالتفات إلى هذا الجانب المهم جداً ، بل الأهم في نقل المعرفة من الآخر وإيجاد السبل الكفيلة لذلك .. فالاهتمام بنقل المعرفة والعلوم كأول خطوة في أول مرحلة تأسيسية للتعامل مع المعرفة والعلوم وإتباعها للمرحلة التي تليها وهي مرحلة الابتكار والإبداع الفكري ..يجب أن تحظى هذه المرحلة الأولى باهتمام بالغ وخاص ، كما ندعو للتفكير الجاد بإدخال نقل المعرفة والعلوم والتكنولوجيا كأحد أهم أدوات التعليم والنقل المعرفي الذي سيؤدي حتماً لكسب المعرفة والخبرات والمهارات التي ستعطي دفعة جديدة لانطلاقة حقيقية وتحول جذري في الاتجاه الصحيح في ميادين البحث والتطور العلمي وبذلك يكون إحدى أهم أدوات التطور المجتمعي والثقافي والاقتصادي .. فالاستفادة من تجارب الآخرين وما توصلوا له من معرفة وعلوم وتكنولوجيا ومن حقائق علمية ، هو عين الحكمة .. ونقل المعرفة ووضع هدفها الأول في تطوير أهم رأس مال ألا وهو رأس المال البشري ( الانسان ) .. هذه الثنائية فقط تمثل الحل الوحيد والطريق الاقصر والأمثل للرقي بالأمم والنهوض بها من ركودها الفكري والمعرفي .. فتطوير قدرات الانسان وإيجاد مراكز بحث ووضع استراتيجيات كمرحلة أولى مكملة لسابقتها ، هي الأدوات الكفيلة برفع مستوى معرفة الإنسان وتطوير مجالات تفكيره وإبداعه وبهذا يكون الإنسان هو الهدف والوسيلة معا لرفع مستوى معيشته وتحسينها .. إنه لمن الضروري بمكان ، هدم كل جدران النمطية المعيقة للحركة الفكرية والخلاص منها تماما كخطوة أولى لنبدأ التفكير في التطلع إلى إيجاد أفكار إبداعية ابتكاريه .. إذن إيجاد السبل الكفيلة بنقل المعرفة لتأسيس المرحلة الأولى بشكل صحيح ، يتطلب أولا وجود استراتيجيات وبرامج وطرق واضحة ومناخ مناسب وخلق قنوات اتصال مناسبة ، ومد جسور تبادل المعرفة مع الآخر الذي يملكها .. من طرق تبادل المعرفة ، عقد المؤتمرات وتنظيم اجتماعات ولقاءات بشكل منتظم ودوري , استضافة المفكرين والباحثين كلما أتيحت فرصة لذلك ، يتم عن طريقها تبادل الخبرات ووجهات النظر بعد مناقشتها ونقل المعلومات .. كذلك خلق ورش عمل مشتركة ومنتديات .. وتنظيم لجان تواصل ومؤسسات مختصة للتواصل المعرفي بالإضافة إلى الطرق المعتادة من ابتعاث الطلبة الدارسين والباحثين لتكملة تحصيلهم العلمي النوعي في مراكز العلوم العالمية المتقدمة ، وإيجاد فرص مناسبة لهم عند العودة .. سيساعد هذا على معرفة كيفية البحث العلمي ، ومعرفة الباحثين كما يساعد على بث روح الحوار والعمل المشترك في البحث العلمي ونشر المعرفة. وسيساهم في نشر الوعي العلمي والمعرفي وإثارة الاهتمام في العلوم والمعرفة وفتح آفاق جديدة .. كل هذا سيؤدي إلى بناء ثقافة البحث عن المعرفة والعلوم واكتساب المهارات ، وسيساعد أيضا في نقل المعرفة والعلوم والتكنولوجيا بشكل أسرع للاستفادة منها وتطويرها .. ومن فوائدها التعرف على المجتمعات والأشخاص وسهولة فرص التعريف بالثقافات المختلفة والأديان .. فليكن إذن هدفنا الإنسان وتطوير قدراته وإمكاناته المعرفية والفكرية ، لنحصل على أهم رأس مال في المجتمع ألا وهو رأس المال البشري ، والذي يعد الدعامة الأولى والركيزة الأهم في نقل المعرفة والعلوم ، وبذلك يساهم في رقي الأمة وتطورها وارتقاءها إلى مصاف الأمم المتطورة ..