مقالات سابقة للكاتب القهقرى العربية.. دورات التاريخ وأرواحه السعودية و«الإخوان».. شيء من التاريخ سوريا: حالة إنكار وشخص مجنون ربيع «الإخوان»: ليس كما جرى في فرنسا نظام الأسد.. نهاية الطريق أم نهاية التاريخ؟ استبداد الحرية الاستقرار السياسي: رحل سلطان وجاء نايف مستبدون ومثقفون: السلطة والغرب دول الاحتجاجات: ألعاب بلا قواعد عمائم الدم في إيران! إبحث في مقالات الكتاب إيران وشيعة السعودية الواقع السياسي في المنطقة يتحدث بشكل صارخ عن تحركات إيرانية حثيثة داخليا وخارجيا، إما لحماية نفسها من التغيرات الكبرى في العالم تجاه برنامجها النووي، أو في المنطقة، حيث الاحتجاجات أو الثورات العربية، أو داخلها منذ الثورة الخضراء، أو لحماية حليفها في سوريا، وإما لضمان استمرار استحواذها على حلفائها السابقين، شيعة كما في العراق ولبنان، وسنة كما في غزة حماس وبقايا «القاعدة». في هذا السياق الواضح ومع استحضار التاريخ القديم والحديث، ومع استحضار تصريحات إيران وسوريا العدائية تجاه المنطقة وتجاه الخليج العربي وعلى رأسه السعودية، تلك التصريحات والمواقف التي تتصاعد في الآونة الأخيرة بوتيرة عالية، فإن شيئا من الوعي يمنع المراقب من استبعاد يد إيرانية أو سورية ما فيما يجري في البحرين أو في شرق السعودية في العوامية وفي القطيف، وهو ما يجهد فيه البعض، وإن بحسن نية. بعيدا عن الأحداث الأمنية التفصيلية التي محل الفصل الطبيعي فيها هو المحاكم، فإن قراءة عامة للمشهد وتطوره كفيلة بإلقاء شيء من الضوء على التاريخ لنستفيد منه فيما يجري اليوم، وما يمكن أن يجري غدا. لقد كانت المعارضة الشيعية في الدولة السعودية الثالثة تعبر عن نفسها من خلال التيارات القومية والبعثية، وحركات العمال في الخمسينات والستينات، ولكنها اصطبغت في الثمانينات بصبغة طائفية دعمتها قوة الدفع الثورية للثورة الإسلامية في إيران، فبرزت معارضة سياسية شيعية من بعض السعوديين المنتمين لهذه الطائفة اتخذت، بعد تطواف، من لندن مقرا لنشاطها. في عام 1993 صدر قرار سياسي سعودي أعاد أغلب المعارضين الشيعة من المنافي في إيرانولندن وأميركا لوطنهم وأهلهم، كما حقق عددا من مطالبهم الواقعية، وأصبحوا فاعلين في مجتمعهم، إن من خلال الحضور الإعلامي أو التأثير الاجتماعي أو النقد العام. (كتاب إبراهيم الهطلاني: الشيعة السعوديون). غير أن أطرافا أخرى داخل الطائفة كانوا ألصق بإيران وأبعد عن الوطن لم يرق لهم ذلك، فاعتمدوا طريقا آخر هو العنف. في عام 1987 جرت أحداث الحج الدموية بتنظيم ودعم إيراني، وبمشاركة بعض الخليجيين والسعوديين المنتمين للطائفة الشيعية، وفي عام 1988 حدثت تفجيرات شركة «صدف» في المنطقة الشرقية، وفي عام 1989 قامت مجموعة أخرى بتفجير نفق «المعيصم» في الحج، والذي ذهب ضحيته آلاف من الحجاج، وازداد هذا التوجه العنيف تطورا في منتصف التسعينات حين قامت مجموعة شيعية مرتبطة بإيران بتنفيذ تفجيرات مدينة الخبر 1996. في العشرية الأولى من القرن الجديد، وبعد تفجيرات نيويورك 2001 انكفأت إيران في سياستها وتحركاتها الخارجية، حتى قامت أميركا بضرب أفغانستان والعراق (2003)، ولم تحرك ساكنا لاستشعارها الخطر الأميركي الذي أصبح قريبا في الشرق وفي الغرب، ولكنها لم تكف عن الحراك تحت الأرض - كما تعودت - حتى حصدت في زمن الربيع العربي العراق الجديد وقائده، عضو حزب الدعوة الإسلامي الشيعي (النسخة الشيعية للإخوان المسلمين) وقائد «دولة القانون» ورئيس الحكومة نوري المالكي. إننا نستحضر هذا التاريخ لتأكيد بعض الحقائق على الأرض، منها أن المعارضة الشيعية في السعودية حين تكون سياسية وطنية تحقق الكثير من المكاسب، وفي هذا يقدم الهطلاني مقارنة تنموية حين يقول: «يشاهد القادم للقطيف فرق الحال بين ما كان عليه أهلها في فترة الثمانينات وبين مآلهم في 2008 في الأحياء والمناطق التي تتفوق نظافة وتنظيما على كثير من أحياء مدينة جدة التي تعاني مشاكل مزمنة» (ص14)، غير أنها بالمقابل وحين تكون عنيفة، إيرانية الهوى والدعم، تجلب الوبال على مقترفيها وتزعزع الاستقرار الوطني. اليوم وفي ظل ما يسمى بالربيع العربي يحاول البعض أن يجعل شعار «الحقوق» أو «الناشط الحقوقي» أعلى من كل علم ورأي وحرية وفكر، وأبعد عن كل مساءلة علمية جادة، في محاولة لتضخيم هذا الشعار أو الشعور ليكون طاغيا على كل القراءات الأخرى، وتستظل بظله تيارات ورموز شيعية وسنية لا تقترب منه إلا بقدر ما تبتعد عن استقلاليتها الفكرية والسياسية. إن استحضارنا للعنف الشيعي في السعودية يثبت أمرين؛ الأول: العنف الإيراني المدبر والمستظل بالتشيع والموجه ضد السعودية، وقد جرى ذكر بعض أحداثه أعلاه. الثاني: أحداث مشابهة جرت في الخليج كمحاولة اغتيال الشيخ جابر الأحمد الصباح في الكويت، وخطف طائرة الجابرية، ومحاولات اختراق حديثة للكويت، ومحاولات لنشر العنف في البحرين قديما وحديثا، لأنها تصب في ذات الإطار. ليس كاتب هذه السطور بحاجة لتمييز الطائفة الشيعية الكريمة بكل احترامها وفصائلها في القطيف وفي المدينة وفي نجران عن غيرها من مكونات الوطن، فهم شيء، والمخربون شيء آخر، كما أن عناصر «القاعدة» المخربين في السعودية شيء ومواطني السعودية شيء آخر، إن المخرب لا طائفة له. عودا على بدء، فإن إيران لم تزل تحرك أطرافها كلما اشتهت، وكلما أرادت، إن في العراق ولبنان وسوريا، وإن في اليمن، وإن في السعودية والخليج، وعلى هذه الأطراف أن تعي ما تصنع اليوم في ظل ضغوط عالمية متصاعدة ضد إيران وحصار اقتصادي قد يتحول نفطيا بأسرع مما تحسب إيران، وحينها ستنقشع غمامة التصعيد الإيراني بالتهديد بغلق معبر هرمز كما صرح قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري قبل أيام بأن غلق المعبر «أسهل من شربة الماء». بكل سهولة فإن إيران أضعف من أن تغلق مضيق هرمز، وهي أكثر ضعفا من أن تمنع إمدادات النفط من الخليج للعالم، ولكنها عبر مناوراتها العسكرية التي توصف دائما بالأكبر والأوسع تحاول أن ترسل رسالة للجميع بأنها هنا. إن الطريق الأفضل لبعض شيعة السعودية، معارضين أم مؤيدين، سياسيين أم تنمويين، هو أن يبقوا مع أوطانهم وأن يبتعدوا عن إيران، فهي تسعى لاستغلالهم وتوظيفهم لمصالحها غير عابئة بمصائرهم لا أقل ولا أكثر. مقصد هذا المقال هو التذكير بأن التخريب الإيراني الموجه ضد السعودية والخليج هو تهديد حقيقي تدعمه أحداث سابقة، ويؤكده التاريخ، فليس من مصلحة أحد المزايدة على حقائق التاريخ تحت أي شعار. نقلا عن الشرق الاوسط السعودية