جميع الأندية الأدبية جرت فيها الانتخابات، وبهذا يمكننا أن نقول إن تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية قد اكتملت. بعض الأندية واصلت نشاطها كما هو والبعض الآخر يتراجع. الأندية التي جرت فيها الانتخابات مبكرة يمكن رؤية ملامح العمل القادم من خلال العمل الحالي رغم أن الحكم مازال مبكراً ومن المهم عدم الاستعجال في إطلاق الأحكام في الفشل أو عدمه إلا بعد مرور سنة على الأقل وتقييمها بشكل إيجابي أو سلبي. مع هذه السنة يمكن تصحيح أشياء كثيرة لو كان القائمون على الأندية لديهم النية والرؤية الحسنة في تصحيح المسار الثقافي في أنديتهم. رغم أن الواقع يحاول التنبؤ عكس التصحيح فمهما كانت النوايا سليمة في تصحيح المسار فإن افتقار الرؤية هو الذي يقود في البداية إلى الخلل. يوحي عنوان المقال أن هناك خللاً في الانتخابات لكنه في الأصل عنوان تساؤل وليس حكماً، فكما قلت: من الخطأ الاستعجال في إصدار الأحكام ولسوف يسقط العنوان لو كان حكماً. كان يمكن صياغة السؤال كالتالي: هل هناك خلل؟ هذا السؤال سوف يقود إلى متوالية من الأسئلة: إذا كان هناك خلل فأين يكمن؟ وإذا لم يكن كذلك فلماذا حصل خلاف كبير في قبول الانتخابات حتى اتهمها البعض بعدم النزاهة؟ ثم هل سؤال الخلل يفترض فشلاً في إدارة الأندية؟ وهذا حكم كما قلنا سابق لأوانه، ثم لماذا حصل مثل هذا الخلل؟ ومن المسؤول عنه؟ وهل كان يمكن تداركه؟ وأين المثقف صاحب الشأن الثقافي المعني بهذه المسيرة؟ لماذا خرج مهزوماً بلغة الحرب؟ وغيرها من الأسئلة التي لا بد من إثارتها حتى نعرف المشكلة.. هذا على افتراض أن الحكم كان ثابتاً بالخلل. في كل الأندية الأدبية التي جرت فيها الانتخابات حصل لغط واعتراضات كثيرة سرعان ما تنتهي، بعضها كان يدور في التشكيك بنزاهة الانتخابات والتدخل من قبل وزارة الثقافة في فرض أسماء بعينها، رغم أن المسؤولين كانوا يؤكدون استقلالية الأندية، وما على الوزارة إلا الإشراف وتنظيم الانتخابات فقط.. البعض الآخر يضع اللوم على مجالس الأندية السابقة التي شاركت في فرز استمارات اللجان العمومية وكان من المفترض أن يكون عملها تسهيلاً للانتخابات دون أن يكون لها حق المشاركة في الفرز.. هناك آخرون يرون أن المشكلة تتعدى إلى أبعد من ذلك حيث إن الخلل في اللائحة نفسها التي كانت مطاطة أكثر مما ينبغي، وسمحت للبعض أن يتلاعب فيها من قبل مجالس الأندية.. آخرون أيضا طالبوا بمقاطعة الانتخابات بسبب عدم استقلالية الأندية في العمل أو في الانتخابات. طبعا أعيد وأكرر أن هذا اللغط كله يفترض ثبات الخلل. غياب المثقف البارز كان أحد أهم المشاكل التي ظهرت في انتخابات الأندية، حيث إن الكثير من المثقفين البارزين كان خارج المسألة الانتخابية: إما عزوفاً شخصياً من المشاركة أو سقوطاً ذريعاً في نتائج الانتخابات، فلماذا عزف بعض المثقفين عن المشاركة من الأساس؟ ولماذا سقط أثناء المشاركة؟ هل كان المثقف يعي أن المرحلة ليست في صالحه من الأساس فكان هذا العزوف حفاظاً على ماء الوجه بدليل سقوط بعض الأسماء البارزة في المشهد الثقافي؟ أم أن سقوطه كان المسمار الأخير في نعش الكاريزما الثقافية التي كان يعول عليها؟ لم يتباكَ على سقوط المثقف إلا المثقف نفسه. المثقف الذي لم يعمل لنفسه شيئاً منذ البداية واكتفى بمراقبة المشهد الثقافي يَتَحوّل إلى غيره. أتوقع أن فرضية الحكم على الفشل ظهرت من هنا أي مع إطلاق المثقف على المرحلة بالفشل كونها لا تمثل ما يريد. إنه فشل أو خلل من وجهة نظر المثقف والمثقف فقط. الحراك في المنطقة كلها حتى على مستوى رئاسات الدول كان يشي بنوع من التحولات وسقوط الكاريزمات السابقة، فهل كان وعي المثقف قاصراً عن فهم تأثير هذه التحولات على مسيرة صغيرة كمسيرة الأندية الأدبية؟ أين هو الوعي الثقافي الذي كان المثقف السعودي ينظّر عنه؟ يبدو أن الثقافة الآن تتحول، والمثقف عاجز عن فهم هذه التحولات لأنها تحولات على مستوى الشعب وليس على مستوى النخب الثقافية. إذا افترضنا أن هناك خللاً ثقافياً عاماً بدأ من الوزارة وانتهى بنتائج الانتخابات مروراً بخلل للائحة نفسها، فإن المثقف له دور كبير في هذا الخلل.. صحيح أن المثقف حلقة ضعيفة من ضمن حلقات أخرى متداخلة لكن هذا لا يعفي المثقف من مسؤولية الخلل. اللائحة صيغت من قبل المثقفين أنفسهم.. كانت اجتماعات رؤساء الأندية حسب ما وصلنا من أحاديث جانبية تتحدث عن تفاصيل صغيرة ليست ذات قيمة كالتركيز على مكافآت رؤساء الأندية مثلاً أو تفاصيل أخرى لكي تتحقق لهم بعض المكاسب في الدورات اللاحقة فوقعوا في شرك ما نصبوه لغيرهم، حيث خرجوا بسبب نفس الشروط التي وضعوها من أجل ثباتهم، لأنهم أرادوا إدخال معارفهم لضمان بقائهم. كما أن الوزارة نفسها تتحمل شيئا كبيراً في مشكلة الانتخابات مهما ادعت استقلالية العملية الانتخابية، فالاعتراضات التي رفعها البعض أثناء صياغة اللوائح لم يتم الالتفات إليها لا من بعيد ولا من قريب، وكل التأجيل الذي حصل لصياغة اللائحة والتعديلات لم يمس إلا جوانب ليست ذات أهمية. العزوف عن انتخابات الأندية من قبل الناس كما هو الوضع بالعزوف عن الانتخابات البلدية له دلالة كبيرة من قبل واقع متغير وواع، حيث عدم الثقة في الجهات والمؤسسات الحكومية من قبل الناس لضعف أدائها، فالواقع مختلف تماماً عن هموم المؤسسة الحكومية سواء كانت ثقافية أو اجتماعية.. شخصياً أعتبر حتى الذين فازوا من الخطاب التقليدي في أكثرية الأندية أنهم أمام تحدي الوعي الشبابي القادم؛ الوعي الذي وضع خلافات الثلاثين سنة الماضية ومشكلاتها وصراعاتها التي أسقطت ممثلي الخطاب الثقافي كما أسقطت ممثلي الخطاب التقليدي على السواء خلف ظهره، ليمضي إلى طرق أخرى فوجد ضالته في التقنية الحديثة وصفحات الإنترنت، حيث الحرية التامة في النقد وحيث التواصل السريع والنافذ لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع بكافة أطيافه. الخلل ليس في وصول أناس عن آخرين في الأندية الأدبية وإنما في قيمة ما سوف يقدمه الذين فازوا في الانتخابات. فحتى لو فاز المثقف فإني أشك أنه سوف يستطيع عمل شيء لأنه خارج التفكير الشبابي الجديد، كما أنها لا تنم إلا عن وجهة نظر المثقف وحده الذي لن يستطيع الثبات أمام الطوفان الشبابي القادم. الخلل في عدم نظرتنا لمستوى التحولات الكبيرة التي تتحرك في واقعنا بشكل كبير. نقلا عن الوطن السعودية