خلال عشر سنوات حكم بشار الأسد استهلك لبنان الكثير من سياسته، حتى صار لبنان هو كعب أخيل الأسد. ولم يتضح لنا عمق التزامه تجاه حزب الله على حساب بقية الفرقاء اللبنانيين إلا لاحقا. ففي البداية كانت هناك معلومات تؤكد أنه فتح أكثر من خط للتواصل مع الإسرائيليين من خلال أشخاص غير معروفين أحدهم ابن أحد وزرائه. لذا، أعتقد أن تحالفه الكامل مع إيران سياسة تطورت مع الوقت، خاصة بعد الغزو الأميركي للعراق، وقد عبر لنا عن مخاوفه ذات مرة جازما أن سوريا هي المستهدفة بذلك الغزو، لأن نظام صدام أصلا في حكم الميت. حدثنا بسخرية وغضب عما يكتب في «النهار» وضد الحريري الأب. كان يعرف التفاصيل الدقيقة عنه مع شيء من الجهل بشخصيته. وجهل بشار بالمرحوم رفيق الحريري قابله جهل الحريري ببشار أيضا، وهو الذي كان يعرف أسرار الشام في عهد الأسد الأب. الحريري كان يصر على أن مشكلته ليست مع الأسد بل مع بعض المحيطين به، والرئيس إميل لحود. ثم إن الحريري سبب عقدة للرئيس السوري الشاب، بجاهه ونفوذه واستعراض علاقاته. مرة رتب لنفسه مقابلة مع الرئيس جورج بوش في نفس الأسبوع الذي تمكن الأسد بشق الأنفس من الحصول على دعوة من رئيس وزراء إسبانيا، حيث كان الغرب يوصد أبوابه بسبب موقف سوريا من العراق. الحريري من جانبه لم يكن يلتقط إشارات الأسد، اكتشفت هذه الحقيقة في حادثة محرجة، فقد كان بيننا وبين مكتب الرئيس السوري اتفاق على نشر تصريحات خاصة، شريطة ألا نفشي اسم المصدر، كنا ننسبها غالبا إلى «مصدر سوري مسؤول»، رسائل أو إشارات للساسة اللبنانيين، وفي مقدمتهم الحريري. اتصل بي المرحوم محتجا، أصر على أنها أكاذيب من فبركة مدير مكتبنا في لبنان، إبراهيم عوض. أكدت له أنها حقيقية ومن مصدر سوري رفيع، وقلت له بأنني لا أستطيع أن أفشي اسمه.. خذها على محمل الجد. لم يصدقني وسعى لإبعاد الزميل إبراهيم، لكنني تمسكت به. عندما سافر الحريري إلى دمشق سأل عدنان عمران، وزير الإعلام حينها، إن كان ما تنشره «الشرق الأوسط» ضده فعلا مصدره سوري كما تزعم الصحيفة؟ المصيبة أن الوزير الذي يجهل بالاتفاق مع القصر أنكر ذلك، واستدعى مراسلنا في دمشق على عجل وهدده بإيقاف توزيع الصحيفة في سوريا إن ظهر خبر فيه هذا المصدر السوري المسؤول المزعوم. اضطررنا إلى الاستنجاد بمكتب الرئيس وتم استدعاء الوزير وتوبيخه. على أي حال، وكما يقال، خرجت القطة من الشنطة، وانفضح السر للكثيرين إلا للحريري الذي ظل لزمن يظن أن خصمه ليس بشار الأسد، بل لحود. لا شك أن بشار ارتكب سلسلة من الأخطاء الأخرى، مثل عدائه للراحل ياسر عرفات، وإفساده علاقته مع الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان جسر العلاقة مع سوريا ومهندسها لأكثر من ثلاثين عاما، وأكبر خطاياه هو تمتين علاقته مع الإيرانيين الذين كانوا الفاكهة المسمومة التي أخرجته من الجنة، وتصديه لدولة ضخمة مثل أميركا التي حاصرته. بعد جريمة اغتيال الحريري، واستمرار مسلسل اغتيال بقية الشخصيات اللبنانية في عملية تطهير لا سابق لها في المنطقة، عم شعور بأن هناك في دمشق من يحرك خيوط اللعبة، اللعبة هنا ربما هي الرئيس نفسه. فجأة سحب سفيره من واشنطن وليد المعلم، الذي عرف باعتداله، ووضعه على الرف تحت وزير الخارجية فاروق الشرع. بعض الدول مثل السعودية رفضت استقبال الشرع لزيارتها، اعتقادا منها أنه منظر سياسة الشر في دمشق. وبعد أن سدت الأبواب في وجه بشار اضطر لتعيين المعلم وزيرا وترقية الشرع نائبا له، وفعلا فرجت مؤقتا، لكن متاعب النظام في بدايتها، أو كما كتب أحد المعارضين السوريين في بداية حكم بشار، أنه مهما فعل فإن مشكلة النظام بنيوية. وزلزال اليوم نتيجة طبيعية، من محكمة دولية إلى محكمة شعبية، أو كما سمتها مي شدياق المحكمة الإلهية. [email protected] نقلا عن الشرق الاوسط 7