تناول الأستاذ المحامي عبدالعزيز القاسم جزئية مهمة جداً لكنها لم تكن ضمن موضوع المناقشة حول الاختلاط، ولذلك فقد تجاوزها المحاورون. المناقشة المذكورة أتت في برنامج الزميل داوود الشريان "واجه الصحافة" وقد بثتها قناة "العربية" قبل عام. الجزئية التي تناولها الأخ القاسم كانت عبارة عن سؤال لطالما تردد في ذهني أيضاً، وقد أتى في سياق التحدث عن التحرشات وقضايا المعاكسات بشكل عام. قال الأستاذ القاسم: "لماذا لا يستجيب رجل الأمن إلى حالات المعاكسات والتحرشات والابتزاز؟". وهو سؤال في محله. هل أصبح جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهازاً أمنياً كاملاً في نظر المواطنين؟ إن كان كذلك فنحن نظلم الإخوة العاملين في هذا الجهاز لأن عددهم وتأهيلهم لا يمكنهم من القيام بهذه الأدوار التي يحف ببعضها الخطر والمواجهة. أفراد الهيئة مثلاً يباشرون قضايا الابتزاز تجاوباً مع نداءات من الضحايا. هذه القضايا وإن كانت منكرة وقبيحة إلا أنها لا تقع ضمن النهي عن المنكر بل تقع ضمن الجريمة. الإيقاع بالمبتز يقع في صلب مسؤولية الأجهزة الأمنية بالتعاون مع المباحث لكنه تحول إلى الهيئة تدريجياً. ربما بسبب وجود المرأة "الضحية" وكأن الشرطة لا علاقة لها بالنساء وما يتعرضن له. يجب أن ندرك أن القبض على المبتز قد يحمل بعض المواجهات التي تتطلب وجود رجال أمن مدربين عليها. هناك أيضاً موضوع المخدرات والخمور. كثيراً ما نسمع عن حوادث مفادها أن الهيئة تمكنت من كشف وكر لبيع المخدرات أو الخمور. بل إن الأمر قد وصل بأفراد الهيئة إلى القبض عليهم ونقل الكمية المصادرة إلى أحد مكاتب الهيئة وتصوير زجاجات الخمر في المرآب بعد ترتيبها ورصها في المكان. لا شك أن هذه الجهود مباركة ويشكر من قام بالكشف عنها ولا شك أيضاً أن جهاز الهيئة ربما استعان بالشرطة قبل المداهمة، لكن السؤال ماذا لو أن من يروج لهذه الخمور أو المخدرات كان مسلحاً؟ هل سيتمكن رجال الهيئة من النجاة بأرواحهم؟ لماذا لم يتم الاكتفاء باستدعاء الجهاز المتخصص في مثل هذه الظروف وهو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات. لماذا تتواجد الهيئة في مكان وزمن المواجهة؟ المثير في هذا الموضوع أن المواطنين هم من دفع الهيئة إلى تولي هذه القضايا عندما تحولوا تدريجياً إلى الاتصال بأقسام الهيئة للتبليغ عن قضايا التحرش والابتزاز والمخدرات. والملفت أن هؤلاء المواطنين لم يتصلوا بالهيئة إلا بسبب ثقتهم في تجاوب الجهاز وخصوصاً في مواضيع التحرشات والابتزاز. إذن توجد هنا مشكلة في أداء المهمة وفي المهنية وسرعة التفاعل من قبل بعض أقسام الشرطة. يقول لي أحد الأصدقاء إن بعض أقسام الشرطة أصبحت لا تكتفي بتعاون الهيئة في قضايا الابتزاز والتحرش بل أصبحت تحيل القضية برمتها إليهم عندما تتلقى اتصالا ولا تتناولها إلا بعد القبض. هذا يقودنا إلى مناقشة مدى التطور الذي ننشده من أقسام الشرطة في مدن المملكة. مكاتب الشرطة وبرامج عملها تحتاج إلى الكثير من النقلات النوعية لتطوير أداء أفرادها وجهازها بشكل عام.. مبنى القسم بحد ذاته غير مشجع على التطوير، فمعظم الأقسام مبان مستأجرة لا تتميز بتقسيم وفراغات المكان الذي يلائم عمل الشرطة. الأسلوب الذي يتم من خلاله تناول القضية أسلوب لا يتواكب مع معطيات اليوم. تجاوب بعض دوريات الشرطة مع أي نداء استغاثة ليس سريعاً بما يكفي. عناوين المنازل لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب من حيث التعرف عليها. أنا لا أدري حقيقة هل يوجد لدى دوريات الشرطة أجهزة GPS في السيارة تسهل الوصول إلى مكان المتصل؟ الوسائل التكنولوجية التي أصبحت خبز وزبدة العمل الأمني لم يؤخذ بها بعد. هل يوجد مثلاً منظومة أمنية معلوماتية تعتمد على تصوير من يدخل ويخرج من فنادق المملكة ومباني الشقق المفروشة والمطارات والمنافذ الأخرى يمكن العودة إليها في حال تواجد رجل أو امرأة مشتبه بهما؟ لنا هنا في قضية الكشف عن قتلة المبحوح خير مثال. مباشرة الهيئة لبعض القضايا التي يفترض أن تكون من اختصاص الشرطة دفع إلى غياب الثانية، ودفع بالهيئة أيضا إلى تحمل بعض المغامرات الخطرة في سبيل القبض على المجرمين. إننا بلا شعور منا نضحي بأرواح هؤلاء الأفراد غير المسلحين وغير المدربين وندفعهم إلى الدخول في أماكن خطرة لا طائل لهم بها. الأمر الآخر أن الشرطة وفي ظل هذا الكرم السخي غير المحدود من رجال الهيئة لم تشعر بالحاجة إلى التطوير، والبحث عن الحلول المتقدمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأجيل تطوير العمل وتقدمه وصقل مهارات القائمين عليه كما تتطلبه المرحلة. فكما قيل الحاجة أم الاختراع. لا أدري أي الاقتراحات أقرب إلى الحلول المنشودة. هل يتم تسليح رجال الهيئة وتدريبهم عسكرياً؟ وهذا بلا شك سيتطلب تعزيز الجهاز بالعتاد والآلات والتدريب المكثف. أم فصل القضايا الجنائية فصلاً واضحاً عن قضايا النهي عن المنكر؟. أم يتم تقنين العلاقة بحسب الاختصاص بين الهيئة والشرطة؟ وعندها فقد نجد أنفسنا في مراجعة شاملة لأنظمة ومواد الإجراءات الجزائية برمتها وتعديل الكثير منها. عن الوطن السعودية