في مشهد تلفزيوني أراد أن يظهر حياديته بين معارضين للرئيس علي صالح وبين مؤيدين، لم تجد قناة عربية أفضل من أن تُظهر صورة مواطنين يمنيين يصطفون أمام الكاميرا يقبّلون صورة الرئيس بإجلال كأنهم يقبلون الحجر الأسود. صور الرئيس العربي وتماثيله التي تملأ الساحات والمكاتب والشوارع والمدارس هي الضحية الأولى لسقوط النظام، كان سقوط صنم صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد أمام كاميرات العالم مشهداً مهيباً ومدوياً في القلوب والعقول، وعلى رغم أن صدام قد سقط فعلياً إلا أن رمز سقوطه مختصراً في سقوط الصنم أبلغ دلالة. أكثر صورة معبرة لسقوط نظام هي رؤية الشعب بنسخته الجديدة وقد تحررت تنزع الصور القديمة للرئيس - كما شاهدنا في مصر - وتنزع الأسماء من الشوارع، ويصبح الرئيس الذي كان رمزاً وحارساً وبطلاً للثورة السابقة والحقبة السابقة، هو عدوها وسارقها وعارها الذي تخلّصت منه. إذا تجاوزنا صور الرئيس إلى فعل «تقديسه» حياً فعليك أن ترى كيف كان نواب الشعب في مجلس الشعب الذين وصلوا لمقاعدهم من أجل أن يمثّلوا الشعب ويعبّروا عن مطالبهم، يتحولون بقدرة حاكم أو بفعل الخوف منه إلى «هتيفة» أكثر رداءةً من هتيفة المدرجات الكروية، يصفقون ويهتفون، كأنهم يحتفون بلحظة وصول زعيم جاء من الحرب منتصراً أو كأنه أعلن للتو تحرير القدس على يده، وحين زاد العيار قليلاً هتف نائب الشعب «حرام أن تكون حاكماً لسورية. كان عليك أن تحكم البلاد العربية كلها». كل هذه الحماسة، لأن هذا الحاكم هو من يدفع راتبه، ولو اتسع الكادر قليلاً لكي نفهم أكثر لوجدنا أن الرئيس جاء للتو من حرب ضد حقوق الشعب. ذهنية تقديس الحاكم العربي المتمثلة في رفع صورة المقدسة في الساحات وعلى الجدران وتقبيلها أمام الكاميرات، هي امتداد لذهنية تقديس شيخ العشيرة، فالمؤسسات التي جاءت بعد حكم العشيرة لم تصنع برنامجاً لتفتيت مفهوم «تقديس» الصنم بل ساهمت في تكريسه والخلط بين تقديس الحاكم وبين تقديس الوطن، لهذا فإن البلاد العربية مشهورة بالزعامات والقيادات والرموز البشرية أكثر مما هي مشهورة بالإنجازات والمشروعات الناجحة. ولعل أكثر تجليات هذه الذهنية التي عاشت في المدن وفي عصر المؤسسات الحديثة هو عدم فهمها أن الوطن ومعه الأرض حق مشترك في مبادئ الحكم الرشيد، وهما الأحق بالتقديس، بل ظلت تعتقد بأن قائدها الذي يحدد مرعاها ومشربها هو الأحق بالتقديس وبالقبلات في الشوارع، وحين يسقط سترى شعباً يضرب صورته بالأحذية ويكسر تماثيله بالفؤوس. أكبر تركة ستواجهها الثورات العربية التي نجحت هي إزالة هذا الركام من الثقافة العربية، وتصحيح انحرافها من «تقديس» الإنسان الحاكم، إلى احترام الذات والمواطنة والدستور والوطن. الشعب العربي اليوم هو مثل ذلك الإنسان الذي مرّ بأزمات وصدمات غيرت من طبيعته وانحرفت به عن مداره الإنساني، ويحتاج إلى إعادة النفس إلى مصحات اسشفائية لمعالجتها من انحرافات الماضي. الثورات العربية لن تنجح إلا إذا هدمت احتكار مفهوم الوطن والمواطنة، والولاء والانتماء، لأنه عار على الإنسان أن يبني صنماً حين يبزغ الرئيس، ويهدمه حين يسقط، عار على المواطن العربي أن يعبّر عن ولائه للرئيس بالقبلات على صورته الملصقة على مقدم سيارة. وكأنه يقبل الحجر الأسود. عن الحياة السعودية