لأنه يصعب أن نتحرى حقيقة الوثائق بسبب كثرة التزوير، لن نعتمد وثيقة يزعم أنه كتبها جهاز الأمن السياسي المصري تتحدث عن مؤامرة غربية وإسرائيلية وراء «الفوضى والشغب» التي لاحقا أسقطت حكم الرئيس حسني مبارك. إنما التهمة موجودة بأن ما حدث في تونس ومصر ويحدث الآن في البحرين واليمن هو من صنع خارجي. وقد اضطر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى الاعتذار من الحكومة الأميركية لأنه اتهم الولاياتالمتحدة وإسرائيل بأنهما وراء الاضطرابات في اليمن والعالم العربي. ويبقى السؤال: هل للخارج دور ما؟ في ليبيا نعم. يمكن أن نقول إن أخطر ما يواجه نظام معمر القذافي اليوم ليس زحف الثوار الليبيين باتجاه مقره في طرابلس بل التدخل الدولي الذي يتبلور يوما بعد يوم وقد باشر بمنعه من استخدام أموال النظام في الخارج، وسيبدأ في تعطيل قوته الجوية المهيمنة، ثم تعطيل أجهزة اتصالات قواته في ميادين الحرب، وأخيرا المتوقع أن تقوم قوات مكلفة دوليا بقصف مقار العقيد وربما قتله أو فتح الطريق للثوار للوصول إليه. من دون التدخل الدولي هناك احتمالان لأن يكسب القذافي المعارك: الأول بفضل تفوقه العسكري وأمواله الطائلة التي تمكنه من استئجار المرتزقة، والثاني أن تطول الحرب إلى أشهر، فتكون نتائجها مروعة. العامل الخارجي مهم أيضا في الحالتين التونسية والمصرية حيث كان صريحا في مطالبة الرئيسين السابقين بن علي ومبارك بالتنحي مما يوحي بأن دولة مثل الولاياتالمتحدة تشجع المحتجين على إسقاط النظام، ويوحي أيضا للقيادتين المحاصرتين بأنهما ستواجهان عقوبات إن رفضتا الانصياع. نعود للسؤال نفسه، هل هذا يعني أنها مؤامرة خارجية لإسقاط الأنظمة؟ أعتقد أن الجميع يدرك الآن أن القوى الكبرى لا تقف إلى جانب الأنظمة المحاصرة أو الضعيفة، مما يؤكد على أهمية العامل الداخلي. فالنظام الراسخ والقادر على معالجة أزماته قادر أيضا على تحدي التدخلات الخارجية. وليس غريبا أن الدول الكبرى تحاول ركوب الموجة والتقرب من القوى المعارضة لتضمن لنفسها علاقة في حال تمكنت من الوصول إلى السلطة أو لعبت دورا ضاغطا كمعارضة في الشارع. وهذا يدعو الأنظمة إلى أن تبحث عن حلول لاستيعاب المعترضين، وتستمع للاعتراضات، والاحتكام دائما إلى الوسائل الشرعية الشفافة في معالجة كل الاحتجاجات والنزاعات الداخلية. لم يعد ممكنا تجاهل المعارضة، شرعية كانت أو غير معترف بها، لأن ما تدعيه يتحول مع الوقت ومن خلال وسائل الإعلام والتواصل المفتوحة إلى معلومات عامة، وربما يصدقها عامة الناس، الأمر الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى فتن وثورات. أما العامل الأجنبي فمهما كان حقيقيا لا ينجح في تربة وطنية محصنة. [email protected] نقلا عن الشرق الاوسط