أخذت مصر وهج الإعلام العالمي بأحداثها المتواترة شعبياً وحكومياً وهو مدلول أنها ليست غائبة عن التأثير في محيطها وخارجه، ولعل أكثر من يقيس أبعاد التفاعل الحاد، إسرائيل لتأتي في المقدمة، لأن السلام الهش المقبول حكومياً، والمرفوض شعبياً ربما ينكسر داخل جبهات الرفض لكل ما جرى من سياسات بعد حرب 1973م. أوروبا تدرك مدى أهمية هذا البلد، لأنه شريك في شرايين البحر المتوسط، وهناك صدامات ومداخلات تاريخية، بدأت مع الرومان، ولم تنته إلا بعد حرب 1956م بالاعتداء الثلاثي، وحتى الحروب مع إسرائيل كان التواجد العربي ممهوراً بانتصاراتها وهزيمتها، ومع دعواتها للتهدئة وحسم الأمور سلمياً، إلا أن تأثير القارة العجوز لم يبق أساسياً في طول المنطقة وعرضها.. أمريكا أيضاً تحركت (بميكافيلية) غريبة، فمرة تريد ذهاب مبارك بشكل علني، ومرة أخرى تتراجع إلى إنشاء إصلاحات جذرية في وجوده، تلبي رغبات المحتجين، ثم تأتي أخيراً لتهدد بقطع المعونات عن مصر، مع تذبذبٍ في مواقفها، أدى إلى خلق تيار معادٍ من داخل الشارع الذي فرض وجوده على العملية برمتها، ويبدو أن خرافة الصداقة ليست إلا وعاءً يفرغ في أي لحظة من مضمونه إذا ما تحركت عقارب الساعة بعكس الاتجاه، لكن المخاوف تبقى في صلب التحرك الأمريكي، لأن مصر أكثر أهمية من نهايات شاه إيران وبروز الثورة، لأن موقعها الجغرافي، وإرثها التاريخي يضعانها في ميزان التأثير غير العادي على المنطقة وعمليات السلام، وعودة الأدوار التي انقطعت عن لعبها، والأفعال الأساسية عربياً وعالمياً، ربما أوجدت شعوراً بأن لحظة ما تولد من رحم تاريخ المنطقة.. الخشية الأخرى أن ترفع مصر ميزان قوة العرب بعد تناسي أدوارهم، أمام إسرائيل أو غيرها، وهي النقطة الجوهرية التي قد تعصف بالسياسات والمواقف المهترئة، وهذه الحساسية من الغرب الأوروبي وأمريكا جاءت من سرعة الصدمة وتفاعلاتها التي ألغت أي رصد لحركة الشارع وكيف وضع مصر في دوائر الاهتمام القصوى.. مثلاً لا تستطيع أمريكا الادعاء أن هذه تباشير سياسة القوة الناعمة في إطار ما اخترعته بعد إنهاء سياسة الغزو إلى اتجاه ضاغط اقتصادي وإعلامي ونفسي، لأن من تحركوا معظمهم لا يعرف القارة الأمريكية الشمالية برمتها بسبب هموم أكبر من مراقبة فعل القوى الكبرى مع غيرها.. عربياً الكل بدأ يغري مواطنيه بحلول مجمدة، معونات ورفع رواتب وإلغاء الجمارك على السلع الأساسية، ووعود بحرية الصحافة وانتخابات حرة، وإصلاحات سياسية جذرية، وتحولت عملية النظر للشعب العربي، كفائض بشري أعطى نسلاً مائعاً إلى أنه هو من ترجم ثورة الجيل العربي الجديد بلغة الضغط المباشر والتلقائي.. نحن أمام متغير بهزات تتابعية، وهذه المرة لا يستطيع الغرب أن يضع الشرق السوفياتي بالواجهة، أو أن يزعم صحافيون وساسة عرب أنها مؤامرات خطط لها الغرب، لأن الذي صار احتقاناً انفجر في ساعة لم يوضع لها توقيت معين، وهي مسألة ستصبح لها لواحق كبيرة على الجميع.. نقلا عن الرياض