في مؤتمر علمي عربي استضافته مدينة "فاس" المغربية في 2008، خُصّصت جلسات لنقاش اللغة العربية والعلوم. وتحدث أحد خبراء اللغة العربية، وهو أستاذ في جامعة الخرطوم، رافضاً أن يكتب العلماء العرب شيئاً بغير لغتهم، لأن ذلك الأمر خيانة، بحسب رأيه. ورأى ان اللغة العربية قادرة على التعامل بسهولة مع العلوم الحديثة كافة، مستشهداً بالأبيات الشهيرة لحافظ إبراهيم التي تتحدث عن قدرة اللغة العربية على استيعاب التنزيل الإلهي، ما ينفي عجزها عن التعامل مع التقنيات الحديثة ومصطلحاتها. وإذ ناقشه الحضور في المشاكل الجمّة التي تواجه تلك اللغة في ترجمة العلوم، ردّ بأن عليهم الرجوع الى فهرس "صبح الأعشى" لأبو العباس القلقشندي، كي يتزودوا منه بما يلزمهم! تملك مسألة علاقة ترجمة العلوم الى اللغة العربية، جذوراً متشابكة. لعل أبرزها هو توقّف العرب أنفسهم عن إنتاج العلم، منذ قرابة 5 قرون. ربما أكثر قليلاً، لأن كتابات إبن خلدون، وهو أخر إلتماعة في مصباح الإنتاج العلمي في الحضارة العربية- الإسلامية، إنما تناولت علم الإجتماع. عندما توقف العرب عن إنتاج العلم، بل عن التعامل معه، كان الاسطرلاب هو الآلة الأكثر تقدّماً التي أنتجوها. لم يكن التلسكوب والميكروسكوب والكهرباء والإلكترونيات والطائرة والصاروخ والكومبيوتر والخليوي ونظرية النسبية والكمومية والرياضيات الحديثة والنانوتكنولوجي و...و... و... قد ظهرت الى الوجود. لم يساهم العرب في هذا الركب العلمي. حتى في علم وصفي، مثل تشريح الجسم البشري، ثمة صعوبة هائلة في الترجمة، وأما عن بقية علوم الطب، فحدّث ولا حرج. ربما كان التوقّف عن المساهمة في العلم، هو الجذر الأقوى في صعوبات الترجمة الى العربية، لأن ذلك يعني أن الحاجة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية (بل حتى السياسية) لتطوير اللغة وتطويعها، ليست موجودة. وربما كان هذا الأمر هو الخلفية التي تتحرك عليها الصعوبات التي يكثير الإشارة إليها في ترجمة العلوم الى العربية، مثل مسائل الإشتقاقات والسوابق واللواحق، مع ملاحظة ان هذه المسائل فائقة الأهمية بحد ذاتها أيضاً. ونافل القول أن الاتفاق على طرق صوغ الإشتقاقات والسوابق واللواحق في اللغة العربية (وهي ليست قصراً على العلوم)، ليست موحّدة أيضاً. ويستحضر هذا الكلام تجارب "مأساوية"، مثل الجمود الذي تعانيه المجمعات اللغوية العربية! في مقابل ذلك الجمود، تسير اللغة "الحيّة" عربياً، أي اللهجات المحكية، في تطوّر لافت. فمثلاً، يألف الجمهور المصري استعمال أحد الطرق المهمة في الترجمة، وهي استخدام المصطلح الأجنبي بلفظه العربي، مثل "تلويد" (ترجمة للإنزال المواد من الإنترنت Down Load)، و"تمسيج" (أي إرسال رسالة خليوية) و"إس إم إس" SMS و"لنك"Link و"نت"Net و"هاكر" Hacker. وبسهولة يشتق فعل "فكّس" من فاكس Fax، ويقول "غوغِلها" في الإشارة الى البحث على محرك "غوغل"، و"بلوِغت" في الإشارة الى الكتابة على المُدوّنة الإلكترونية Blog وغيرها. هل يتوجب على اللغة العربية ان تتوسع في هذا الإتجاه؟ مجرد إقتراح!