هل تعرفون ما ثقافة "الذيب"؟ بعبارةٍ أخرى هل سمعتم بعض شعارات هذه الثقافة وأشهرها عبارة "فلان ذيب"؟ المشكلة أنّ سيادة مثل هذه الثقافة المدمرة لا تعد جناية على الأخلاق فقط بل تؤدي إذا ما مدّت ظلالها إلى تشجيع من يستعذبها على انتهاز الفرص لتحقيق المكاسب دون وجه حق، ومعها وبسببها تختفي معايير الحقوق والمنافسة والكفاح والصبر لتحلّ محلّها ثقافة "الذيب" وما تتضمنه من مسوغات التربص والتآمر، واستغلال نفوذ "المكان" وسلطة الوظيفة للإفادة على حساب مستحق لا حول له ولا طول. وبتفحّص بعض محفوظات الموروث الشعبي قديمه وحديثه نجد في مضامين القصة والمثل والقصيدة رواجا لمفاهيم تعزيز ثقافة الانتهازيّة. والنتيجة الموجعة هنا تكمن في إضفاء مشروعيّة التصرّف الخاطئ تحت إلحاح مثل هذا الاتجاهات الشاذّة التي سهّلت سلوك طرق التفريط في الأمانة تحت وطأة مفاهيم هادمة تُعلي من شأن الاحتيال والمراوغة للتكسب وتخفض من صوت الضمير والواجب طلبا للغنائم. وفي غيبة من هيبة السؤال الأشم "من أين لك هذا؟" نلاحظ كيف تتردّد ثقافة "فلان ذيب" ضمن (حكاوي) المجالس حينما تُستعرض سيرة شخص ما تورّمت أرصدته، أو اتّسعت مساحة منزله أو مزرعته، أو ربما ظهر من المجهول اسم منتفخ ينفق ذات اليمين وذات الشمال وهو لا يعدو أن يكون شخصا بلا تاريخ، والأسوأ حينما يكون موظّفا عامّا لا يمكن أن يشتري بمجموع رواتبه مضروبا في كل أشهر سنوات خدمته ربع مساحة "استراحته" الكبيرة بسورها الباذخ الذي يحد حدودها على شوارعها الأربعة. الخشية هنا أن تتجذّر مثل هذه الممارسات بين الشباب في ضوء مؤشرات محزنة تدلّ على تسلّل بعض مظاهر مثل هذه الثقافة التبريريّة للجريمة والانحراف عند بعض الشباب في منتدياتهم وصحفهم الإلكترونيّة. وعلى سبيل المثال المحزن هناك نموذج حديث أمكن استنتاجه من تعليقات قراء صحيفة إلكترونيّة نشرت خبرا حديثا عن مقتل مهرّب مخدرات على يد مفرزة أمنيّة. الشاهد هنا أن بين ردود القراء المعقّبين على الخبر نجد كثيرا من العبارات المؤيدة والمادحة والمهوِّنة من افعال هذا "المهرّب" ضمن ما يمكن أن يندرج تحت ثقافة "الذيب" والفزعة "لابن العم" الذي باع دينه و ضميره ووطنه. وفي ذات السياق ستعجب من قوة "ثقافة الذيب" حينما تزور موظفا متقاعدا كان له مكان ومكانة وتراه يعيش بهدوء وسلام مع تواضع إمكاناته، أقول تعجب حينما تسمع بعض الهمس والعبارات المؤلمة عنه مثل "ما استفاد من منصبه" "ضيّع نفسه بالمثاليّة" "كان نظامي" وكأن العكس هو الصحيح وأن المفترض به أن يبسط يده فيما لاحق له فيه. وبسبب سطوة "ثقافة الذيب" هذه باتت قصص النزاهة والشرفاء هي الشذوذ لا القاعدة حتى أنك تقرأ بين الفينة والأخرى خبرا مصوّرا في هذه الصحيفة أو تلك عن رفض الموظف "فلان" لمبلغ "رشوة"، أو أنّه أعاد مبلغا من المال لصاحبه! نقلا عن الرياض