تعتبر مصادر سياسية مراقبة أن المرحلة السياسية الجديدة التي يشهدها لبنان بعد المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال سليمان حول سلاح المقاومة والتعديل في وظيفته بتخطيه الحدود إلى سورية، وحول إمكان تأليف حكومة حيادية إذا تعذر قيام حكومة تمثل الجميع، وردود الفعل عليه والتي صُنِّف إطلاق الصاروخين على محيط القصر الرئاسي ليل الخميس - الجمعة من ضمنها تفترض خلطاً للأوراق في المواقف السياسية بدأت ملامحها تظهر في المواقف الصادرة إلى الآن، فضلاً عن أنها تحمل معها احتمالات المفاجآت الأمنية، التي حذر منها رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط متوقعاً المزيد من الرسائل الصاروخية والهدايا المفخخة. وإذا صحت الترجيحات الأمنية المتسربة عن أن إطلاق الصاروخين على منطقة بعبدا - اليرزة، تم من منصة متنقلة وضعت على شاحنة أو «بيك آب» مخصص لهذا النوع من الصواريخ، نتيجة عدم العثور على منصة إطلاق لهما، كما جرت العادة في مثل هذه الحال، ومثلما حصل حين أطلق الصاروخان على منطقة الضاحية الجنوبية - مار مخايل قبل زهاء شهرين، ثم على الكحالة - الفياضية قبل زهاء الشهر، فإن هذا يعني أن مطلقي الصواريخ يتمتعون بقدرة على الحركة، وينوون اتخاذ كل الاحتياطات للحؤول دون كشفهم.
رسالة الصاروخين وفي رأي المصادر المراقبة، أنه سواء صحت الاستنتاجات السياسية التي خرجت بها أوساط «قوى 14 آذار»، باتهامها «حزب الله» أو حلفاءه بإطلاق الصاروخين نتيجة انزعاجه الشديد من كلام سليمان، (وهو ما دانه الحزب ورفضه بشدة في بيانه)، أو أن طرفاً آخر استغل بروز التباعد بين سليمان والحزب ورتب إطلاق الصاروخين، فإن الأمر يصبح أشد خطورة من العمليات السابقة التي حصلت. وتذهب المصادر المراقبة إلى القول إن هناك فرضية تقول إن الصاروخ الثاني الذي سقط من دون أن ينفجر، في منطقة تبعد زهاء 500 متر عن منزل السفير السعودي في لبنان علي بن عواض عسيري، الموجود خارج لبنان، هو رسالة تتعلق بالخلافات الإقليمية المتعلقة بالوضع اللبناني. وفيما تترقب أوساط سياسية عدة ما ستحمله الأيام المقبلة على الصعيد الأمني وسط مخاوف من سيناريوات كثيرة بعد عيد الفطر، فإن ما بعد العيد يفترض أن يشهد أيضاً تبلوراً لمعالم المرحلة السياسية الجديدة التي أطلقتها مواقف سليمان، لا سيما على صعيد تشكيل الحكومة. وفي هذا السياق تقول المصادر المراقبة إن سليمان وضع سقفاً جديداً يرجح أن يتحكم بمواقف الكثير من الفرقاء كالآتي: 1- إن قوى 14 آذار التي أيدت ما صدر عن سليمان لجهة السلاح والاستراتيجية الدفاعية وإعلان بعبدا وموضوع الحكومة، ألزمت نفسها بهذا السقف، بحيث أنها إذا أقدمت على أي حوار أو توافق من النوع الذي تدعو إليه «قوى 8 آذار» و «حزب الله»، لن تتمكن بعد الآن من أن تنزل عن هذا السقف إذا اضطرت إلى تقديم تنازلات يوجبها ميزان القوى، كما حصل في مراحل سابقة منها اتفاق الدوحة عام 2008 حين كان الانتهاء من الفراغ الرئاسي أحد مواضيع التفاوض بين الفريقين. وعليه فإن الأوساط المراقبة ترى في تكرار زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في خطابه شرحه المطوّل لأسباب إصراره على التنازل المتبادل بين تياره وبين «حزب الله» عن الاشتراك في الحكومة لمصلحة حكومة من غير الحزبيين، تكريساً لهذا السقف، الذي كانت بعض القوى الوسطية تدعو 14 آذار إلى إبداء المرونة حياله بالقبول بأن تتمثل الأحزاب، نظراً إلى صعوبة إقناع «حزب الله» بأن يتمثل أسوة بغيره بأصدقاء، وميله إلى التشدد بعد تمكنه من تحقيق انتصارات عسكرية في سورية من القصير إلى غيرها، وفي ظل «الهجمة» الأوروبية عليه بتصنيف جناحه العسكري إرهابياً. 2- إن السقف الذي وضعه سليمان سيكون أيضاً ملزماً للقوى التي أيدته، لا سيما لجهة توجهات الحكومة المستندة إلى إعلان بعبدا وإلى تصوره للاستراتيجية الدفاعية التي «عمادها الجيش» كما قال، وفضلاً عن تأكيد استحالة قيام الجيش بمهمة في ظل ازدواجية السلاح، لتعارضها مع تحصين مقدرة الدفاع عن لبنان «حصراً»، بحيث يمسك الجيش «حصرياً» بمستلزمات الدفاع هذا. وهذا كله يرتب البحث عن صيغة مختلفة عن معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» في أي بيان وزاري. 3- إن سقف مواقف الرئيس تستبق الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي يتخوف كثيرون من تعذر تلبيته لعمق الخلافات الداخلية، لكنه سقف سيكون ملزماً للأطراف في تفتيشهم عن الرئيس العتيد من جهة وفي الحكومة المقبلة التي ستتولى سلطات الرئاسة (وفق نص الدستور) إذا تعذر انتخاب الرئيس بحيث تأتي الحكومة الرئاسية تحت هذا السقف أيضاً. وفيما تقول مصادر مطلعة على موقف سليمان إن طرحه احتمال الحكومة الحيادية لا يعني الإقدام عليها سريعاً، لا سيما أنه لمّح إلى أن «الاستشارات (في شأن حكومة تمثل الجميع) وتحليل المعطيات على وشك النفاد»، بمعنى أنها لم تستنفد كلياً، فإن سقف مواقفه أخذ ينتج معطيات جديدة، أبرزها قول الرئيس الحريري في خطابه أول من أمس، مقابل اعتباره دعوة السيد نصرالله إلى الحوار أنها للاستهلاك، إنه مستعد للذهاب إلى هيئة الحوار بدعوة من رئيس الجمهورية في أي وقت يحدده.
الحوار والحكومة وترى المصادر المراقبة أن استعداد الحريري هذا ينهي الغموض الذي ساد المرحلة السابقة حيث بدا أن «المستقبل» يفضل تشكيل الحكومة قبل الحوار. إلا أن مصدراً مقرباً من قيادة «المستقبل» يؤكد «أننا لم نقل في أي مرة أننا لا نشارك في الحوار إلا بعد تشكيل الحكومة، بل كنا نستند إلى موقف الرئيس سليمان الذي كان قال إنه سيدعو إلى الحوار بعد تشكيل الحكومة. لكن يمكن القول إنه بعد موقف الرئيس الحريري نضع ورقة الحوار في يد الرئيس ساعة يشاء ويرى ذلك ضرورياً، سواء قبل أم بعد الحكومة، والقرار له». أما المعطى الجديد الآخر الذي برز التزاماً بالسقف الذي أخذ يرسمه سليمان فهو في موقف جنبلاط الذي، إضافة إلى تأييده له في موقفه من السلاح وإعلان بعبدا والتدخل العسكري ل «حزب الله» في سورية، فهو أخذ موقفاً إيجابياً أول من أمس من خيار الحكومة الحيادية، للمرة الأولى، بعد أن كان مصراً على حكومة تمثل الجميع حين أيّد موقفه حياله، في تعليقه على «رسائل الصواريخ». ماذا يرتب السقف الذي رسمه سليمان على موقف «حزب الله»؟ الأوساط المراقبة نفسها تلاحظ أن السيد نصرالله تجنب في خطابه المتشدد حيال الموضوع الفلسطيني، وحيال الصراع الإقليمي، ذكر مسألة الصواريخ، وتفادى الحديث عن الوضع الداخلي، الحكومي أو المشاركة في القتال في سورية، على رغم حديثه عن الحوار في سياق تطرقه إلى «التحريض المذهبي»، لأن السقف الجديد الذي حدده سليمان محرج للحزب وسياسته أشد الإحراج، بل إن هذه الأوساط ترى أن الهجوم العنيف الذي شنه على الدول الخليجية والاتهامات التي وجهها إليها وحرصه على مخاطبة الآخرين من موقعه الشيعي الصرف هذه المرة، يجعل من المراهنة على دعوته السابقة إلى الحوار ضعيفة الإمكانية، ما ينسف أيضاً المراهنات على أن يقود تقارب إيراني - سعودي إلى حوار بين الحزب و «المستقبل». وتسأل المصادر: «كيف يمكن تفسير هجوم نصرالله على الدول الخليجية في وقت يتحدث الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني عن إعطائه الأولوية لتحسين العلاقة مع السعودية التي يتردد أنه ينوي أن تكون أول دولة يزورها؟».