«يسقط يسقط حكم المرشد»، «عاش نضال الصحافيين»، «يا حسيني يا ولد دمك بيحرر بلد»... هي هتافات صاخبة دوت بين أرجاء نقابة الصحافيين المصرية في أول انتخابات لاختيار مجلسها عقب «ثورة 25 يناير» (كانون الثاني) 2011، والتي أعلنت مدير «مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية» في مؤسسة «الأهرام» ضياء رشوان نقيباً لصحافيي مصر، خلفاً لرئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» ممدوح الولي المحسوب على الإخوان المسلمين. تمكن رشوان من اقتناص لقب النقيب بحصوله على 1280 صوتاً، بفارق 265 صوتاً عن أقرب منافسيه مدير تحرير صحيفة «الأهرام» عبد المحسن سلامة، من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة التي بلغت 2339 صوتاً. وفاز بعضوية مجلس النقابة كارم محمود وعلاء ثابت وأسامة داوود وجمال عبدالرحيم وحنان فكري وخالد البلشي. الهتافات حملت فرحة، وإشادة بنزاهة العملية الانتخابية، ومطالبات بالقصاص للصحافي الراحل الحسيني أبو ضيف، الذي قتل خلال أحداث قصر «الاتحادية» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. الانتخابات تميزت بمنافسة نزيهة إلى حد كبير بعد سنوات من سيطرة التزكية أو الفوز بفوارق ضخمة، على رغم غياب حالات الحشد والاستقطاب التي سيطرت على الانتخابات في الأعوام السابقة، ما أوجد انطباعاً إيجابياً لدى الصحافيين بأهمية أصواتهم. وأعرب الفائزون بعضوية مجلس النقابة عن سعادتهم بالثقة التي أولاها إليهم الناخبون، مؤكدين أن تعديل التشريعات المقيدة لحرية الصحافيين ونيل حقوق شهداء الصحافة هي على رأس أولياتهم خلال السنوات الأربع المقبلة. بعد الانتخابات بأيام قليلة واجه النقيب الجديد، وهو باحث مصري متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية ومعارض لجماعة «الإخوان المسلمين»، أول تحدٍ كمسؤول عن الجماعة الصحافية، وذلك عندما تعرض بعض الصحافيين لاعتداءات أمام مكتب الإرشاد، ما دفع رشوان إلى قيادة مسيرة انطلقت من النقابة إلى مكتب النائب العام للتنديد بالاعتداءات. وقدّم رشوان بلاغاً للنائب العام ضد مرشد جماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد بديع وعضو مكتب الإرشاد المهندس خيرت الشاطر، يتهمهما بالاعتداء على الصحافيين من جانب الحرس الخاص بمكتب الإرشاد. واعتبر بعض الصحافيين فوز رشوان ضربة قوية لمحاولات «أخونة» النقابة، رغم عدم خوض مرشح إخواني انتخابات النقابة، سواء على مقعد النقيب أم أعضاء المجلس، لما يعرف عن رشوان من معارضته الشديدة ل»الإخوان». وهي مفارقة طريفة لكون نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد عندما فاز على رشوان في انتخابات 2009 (2419 صوتاً في مقابل 1561 صوتاً)، اعتبر رشوان محسوباً على الإخوان، ما ساهم في هزيمته. وشدّد رشوان (53 سنة)، المولود في محافظة قنا (صعيد مصر) والذي يحمل شهادة بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة، عقب فوزه على ضرورة أن ينبع التغيير من داخل الجماعة الصحافية، مع وجود استقلالية في العمل الصحافي. لكنه لم يضمن زيادة رواتب الصحافيين، واعداً بمحاولات مع وزارة المال لتحقيق الأمر، فضلاً عن المطالبة بتعديل المواد الخاصة بالصحافيين في الدستور. وكشف رشوان أن النقابة تعاني أزمة مالية طاحنة، مشيراً إلى تسلمه تقريراً من المدير المالي للنقابة حول الوضع المالي للنقابة. ورأت غالبية المنظمات الحقوقية أن الانتخابات جرت في أجواء هادئة ونزيهة. ورصدت مؤسسة «عالم جديد» للتنمية وحقوق الإنسان تراجع دور القيادات الصحافية التقليدية في المؤسسات القومية في الحشد والتأييد لمرشحين دون سواهم في انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحافيين، ما جعل الانتخابات شبه مفتوحة، وبالتالي قلل من الضغوط على الناخبين من الصحافيين للتصويت لقوائم محددة ومرشحين بعينهم». واعتبر أحد الصحافيين، رفض ذكر اسمه، أن انتخاب رشوان نقيباً يعني موت النقابة «إكلينيكياً» خلال السنوات الأربع المقبلة: «عبد المحسن سلامة كان سيقدم خدمات عديدة للصحافيين من دون شعارات أو كلام لا يغني ولا يسمن من جوع. ما يهم الصحافي هو حياة كريمة له ولأسرته، وضمان حقوقه المادية والأدبية مع المؤسسة التي يعمل بها، فضلاً عما تقدمه له النقابة من خدمات أخرى، خصوصاً أن غالبية الصحافيين يعانون مالياً، بينما آخرون لا يهتمون سوى بالظهور الإعلامي والتكسب من ورائه». تميزت انتخابات 2013 النقابية بقلة الوعود الانتخابية حول تقديم خدمات للصحافيين من الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة. واعتمد الطرفان أكثر على اسمهما وتاريخهما، وما ساهم في ذلك خصوصية الأجواء السياسية في مصر حالياً، والتي باتت أحد المعايير في الحكم على الأمور. وكان الحشد والاستقطاب باهتاً، وصب الاهتمام حول كيف يمكن حماية الصحافي في هذه الفترة التي تشهد استهدافاً للصحافيين أثناء أداء واجبهم. وتمنى الصحافيون على المجلس الجديد تقديم مقترحات لتعديل المواد التي تنتقص من حرية الصحافة في مواد الدستور، وحماية الصحافي من أي تعقب أمني، والكشف عمن قتل الصحافيين محمد محمود والحسيني أبو ضيف أثناء تأديتهما واجبهما المهني. ولم يغفل الصحافيون مطلبهم بضرورة تحسين أحوال الصحافيين المعيشية، ووضع لائحة أجور عادلة، خصوصاً أن غالبية رواتب الصحافيين منخفضة، مع الحفاظ على بدل التدريب والتكنولوجيا، أو زيادته. وراهن مؤيدو رشوان على الصحافيين الشباب ورغبتهم القوية في نقيب من جيل الوسط يهتم بقضاياهم ويلبي متطلباتهم، بعد استياء قطاع منهم من النقيب السابق لشعورهم بأنه نقيب للحكومة لا مستقل. وعقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، توالت ردود الفعل، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أكد رئيس تحرير جريدة «الأسبوع» مصطفى بكري ضرورة أن يكون المجلس الجديد «حائط صد» ضد أي محاولة لأخونة النقابة، وانتمائها لأي فصيل سياسي آخر»، فيما وصف الكاتب الصحافي محمد عبد القدوس اتهامات بعض الصحافيين لجماعة «الإخوان المسلمين» بمحاولة أخونة النقابة، بالحديث الهابط الذي لا يرقى للرد عليه.