تصل أنوار إلى مقر عملها في الوقت المحدد، فتتهاوى على أقرب مقعد لأخذ أنفاسها من شدة التعب، قبل أن تكتب اسمها في سجل الحضور اليومي. لا يؤخذ في الاعتبار أن المرأة السعودية العاملة لا تزال ممنوعة من قيادة السيارة أو حتى استخدام وسيلة نقل عامة. فهي تحضر إلى مقر عملها مع زوجها أو ابنها الذي يتحكم بالتوقيت المناسب له ليوصلها. وهذا اعتبار لا يعني كثيراً رب العمل الذي يتعامل مع التأخير وفق اللوائح المنظمة للعمل. في أجواء العمل النسائية في المملكة، تكثر الأحاديث عن المعاناة اليومية والمتكررة لحوادث متشابهة في كل بيت، والتي تبدأ قبل شروق الشمس حيث تبدأ ساعات العمل مبكرة وبخاصة في المدارس.
واجبات متعددة... وصراعات نفسية لا يمكن الحديث عن دور الأم السعودية وفصله عن قائمة الصراعات التي تواجهها المرأة العاملة خصوصاً. فالمرأة في المملكة متعددة المهمات، هي أم مربية وزوجة مطيعة، وموظفة نجيبة، وصاحبة واجبات أسرية واجتماعية متعددة وضرورية. وفي موازاة ذلك، لا تزال الكثيرات من الأمهات يواجهن مجموعة من الاضطرابات النفسية بسبب اضطرارهن إلى الخروج إلى سوق العمل. وأصبحت الزوجة الموظفة هدفاً للرجال الباحثين عن «ابنة الحلال»، لتكون له عوناً اقتصادياً في الحياة. لكن هذا الدور لا يصاحبه تغيير في التخفيف من الأعباء الأخرى للمرأة. فالقلق ينتابها على رضيعها الذي حرم من رضاعته الطبيعية على رغم أن قانون الإرضاع حق للطفل في السنتين الأوليين من عمره. لكن المشكلة أن لا دور حضانة ملحقة ببيئة العمل. كما يترتب على الأم الاهتمام بواجبات المنزل من طبخ وتنظيف... على رغم كونها منهكة جسدياً. الكل يريدها زوجة دافئة، وأماً حنوناً، وموظفة متميزة، ومسؤولة عن التموين والنظافة والترتيب وتدريس الأطفال، ومرافقتهم إلى الطبيب. لكن الجميع يتناسى حاجتها إلى الاسترخاء والراحة والتقدير، في ظل غياب كامل لأي مساندة، سواء من مؤسسات اجتماعية متخصصة أم من الزوج. وتشير الدكتورة عفاف خياط إلى أن الصراعات التي تواجهها المرأة تسبب قلقاً واكتئاباً لسائر أفراد العائلة، لأن الأم هي عمود كل أسرة وأي ضرر يلحق بها يصيب الجميع، أطفالاً وزوجاً. وطالبت خياط بتحسين بيئات العمل للأمهات العاملات وتحقيق الأمن النفسي والاجتماعي لها من جانب الشريك قبل كل شيء.
أم وعاملة بحقوق منقوصة وقعت المملكة على اتفاقات عدة في شأن المرأة وعدم التمييز ضدها. وعلى رغم التحفظ عن بعض بنود الاتفاقات، لا تزال الكثيرات من الأمهات يعانين من انتقاص حقوقهن ويسعين إلى المطالبة بها والإفراج عنها. وترى المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي أن جنسيتها حق لأطفالها أسوة بالسعودي الذي يتزوج أجنبية مانحاً زوجته وأطفاله كل حقوق المواطنة. تعمل في السوق السعودية 706 آلاف امرأة، وفق إحصاءات عام 2012، بنسبة تصل إلى 12 في المئة من النساء في سن العمل، واللواتي بلغ عددهن 5,9 ملايين امرأة. وتعاني السعوديات مشكلات عدة تعطل عملهن وقدراتهن الوظيفية، لعل أهمها تقييد حرية التنقل والحركة، إذ لا تزال المسألة عالقة إلى اليوم، من دون توافر بدائل على صعيد النقل العام بالنسبة إلى المرأة. كما تعد الوصاية من أكبر العوائق التي تقف لها في المرصاد. فالعمل والدراسة والسفر كلها أمور مشروطة بسماح ولي الأمر، الذي ربما يكون ابناً يتلقى مصروفه من الأم العاملة. وهذا الانتقاص من أهلية المرأة يجعلها مواطنة غير كاملة تعاني الاستلاب، في أشكاله الفكرية والاجتماعية والنفسية.
اعضاء في «الشورى»... ووعد ب «التجديد» تقول الدكتورة حنان الأحمدي، عضو «مجلس الشورى»، ان المجلس يناقش أوضاع النساء عموماً من ضمن القضايا التي يتداولها، وغالباً ما يتخذ فيها قرارات تنظيمية جديدة لمواكبة المستجدات والمتغيرات على هذا الصعيد. وتلفت إلى أن «مجلس الشورى» يناقش حالياً أموراً تتعلق بالنساء وقضايا الادعاء العام وأوضاع السجينات، وخصوصاً اللواتي انتهت فترة عقوبتهن. وتؤكد أن كل القضايا المتعلقة بالأمومة والطفولة سيكون لها نصيب من التداول بغية استصدار أنظمة وإجراءات تساهم في الحد من المشكلات وتساعد في تحقيق الصحة النفسية للأم والطفل والمرأة العاملة على حد سواء.