لا تعجب إذا حدثك احد شعراء الشعر الشعبي أو همس في أذنك بان قرينه من الجن ذكرا أو أنثى مرًه في غفلة من الناس وفي أشكال مختلفة واسقاه لبناً مخيضاً حتى روى منه ونام بعدها نوما عميقا لعدة أيام ثم أفاق وإذا به في مكان ليس فيه انس ولا جان ونسي الأدعية وأوراد الصباح ولم يذكر إلا آخر محاورة شعرية ادعي انه تقابل مع عملاق المحاورة المطنوخ وهذه القصة لا يحكيها لكل من كان لأنها سر المهنة فهو ينتقي بذكاء الشخص الذي يقدر على إضافة بعض الهوامش غير المخلة بأصل القصة والتي تضيف أبعاداً فنية لمعرفة عالم الجن واهم المفاتيح التي يستطيع بها عشاق الشعر الوصول بها إلى بغيتهم ومن ثم طاعتهم وتنفيذ أوامرهم والحفاظ علي سرية الأمر ويتوسع الراوي في سرد القصة مع تمكنه من حفظ تفاصيلها والزيادات ويزداد الشاعر شهرة وشيطنة كلما ازداد الراوي براعة في حبك القصة وإدخال بعض المثيرات والمشوقات التي تكسب الشاعر تميزا عن غيرة ممن لم يدًع ان ليس له قرين والشاعر المتشيطن يأتي بعبارات وجمل مركبة تركيبا شيطانيا معقدا لا يستطيع احد فك رموزه إلا متشيطن مثله فيعجب المستمع البسيط بهذه العبارات التي لم يسمعها من قبل وإذا عجز الشاعر الآخر عن الرد أو تباطأ آمنوا بان شيطان شعر الأول أقوى واشد ضراوة من الآخر فيزداد تألقاً وشهرة إلى درجة انه يصدق ما قاله عن نفسه في بداية مشواره الشعري وإذا وصل إلى مستوى لا زيادة أنكر على نفسه وعلى الآخرين ونفي بشدة وجود شياطين للشعر, أما الكتاب ومن تبعهم فيدعون إنهم نفس الأمة الصادق ووجدانها الحي وقلبها النابض وهم الأقلام التي تترجم مشاعر الأمة وأحاسيسها وتنقل صوتها إلى أركان الكون اى أنهم ملائكة الرحمة إذا أرادوا وإذا استنكفوا تحولوا إلي ملائكة العذاب وما يصيب الشاعر أيضاً يصيب الكاتب إلا أن وضع الشيطان هنا يختلف فالشاعر تبنى الشيطان وطوعه واستخدمه لأغراضه الشعرية واستفاد منه في إثارة مشاعر عشاق الشعر وجعلهم يعيشون في أجواء مفعمة بعالم الجن حتى الكلمات التي لا يعرفونها ولا يستطيعون أن يصلوا إلى معانيها يقول لهم علماء اللغة :المعني في قلب الشاعر,وإذا تم تحميل المعني بأكبر مما يحتمل يلجأ الشاعر إلى نظم اعتذاري مثل ما فعل النابغة الذبياني مع النعمان بن المنذر. أتاني أبيت العن انك لمتني.واعظم من هذا وذاك ما قاله كعب بن زهير: نبئت أن رسول الله أوعدني* والعفو عند رسول لله مأمول* فعفي عنه صلي الله عليه وسلم وكساه بردته ,فالكاتب تبنته عوالم مجهولة يتيه في البحث عن هويته ويضيع في اتجاهاتها التي تتجاذبه بزيفها و يدعي انه يعبر عن نفس الأمة فتجده يحمل عشرين مزمارا يحاول أن يطرب بها هذا او ذاك وهي مثل الاختبارات المتعددة الاختيارات لمن لا يجيد المادة المقررة .فيمضي في حمل مزاميره إلى أن يجف ريقه وقبل أن تصداء مزاميره يبداء يلعن المزامير ويحرم علي غيره الزمر بل أنها محرمة في كل الأديان وانه لو رأى زمار الحي لاستنهض عليه الجن والإنس للخلاص منه ولكنه لم ينس نفسه ولا أصحابه المزمرين فقالوا نحن (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات) وتبقي الكلمة الصادقة ينؤ بحملها من ليس صوته متلائما مع المزامير ولا يجيد الأغاني الطربية وتصدح بأشعتها في كل حدب وصوب. (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)