وجاء الشتاء، أعترف بأن هذا الفصل هو الوحيد الذي ألتقي فيه مع نفسي فلا فصول المدرسة ولا فصول السنة كنت قريبا منها ولا هي قريبة مني أبدا، وعلى فكرة قلت فصول السنة مجازا لأننا لا نعرف إلا فصلين، فصل دائم وأبدي وهو الصيف وفصل عابر ومؤقت هو الشتاء، وأما الربيع والخريف فلا نعرف عنهما شيئا سوى ما نتذكره من صور وما نسمعه من أوصاف. المهم أن هذا الفصل هو فصلي، ولذلك تذكرت بالأمس كم كانت الحياة رحبة والتواصل حميما والعلاقة دافئة والناس يعرفون بعضهم عن بعد .. أما اليوم فنحن نسكن في قلاع محصنة لا نعرف جيراننا، محاطين بأسوار وخنادق تمنع أي أحد من الاقتراب إلينا وتمنعنا من الاقتراب إلى الآخرين. فهل يعقل أن تسكن في شقة لمدة 5 سنوات مثلا ولا تعرف اسم جارك الذي يسكن معك في العمارة ولا تعرف أين يعمل، إن هذا الواقع الذي نعيشه هو الواقع الأكثر فانتازية في العالم، ففي كل العالم لا بد أن يعرف سكان العمارة وربما الحي بعضهم ولو معرفة عابرة، ربما ليسوا أصدقاء وربما هم أعداء ولكنهم يعرفون بعضهم، ولو حدثت أي جريمة سوف يجد الأمن عندهم معلومة مفيدة، ولو غاب الشخص لدلوا عليه ولو بإشارات بعيدة. أما نحن والبعيدون عن كل حضارة فلا نعرف بعضنا. أحد الأصدقاء عندما حدثته بهواجسي حول هذا الموضوع رد علي ردا مؤلما ومريرا حين قال: نحن لا نعرف حتى أنفسنا يا عزيزي!!.