من المتعارف عليه أن السراب هو تلك البقعة التي تشاهد عند اشتداد حرارة الشمس ليتظاهر للمشاهد أن هنالك وفرة من الماء. إذ أنه لا وجود لذلك الماء. ومما اعتدنا عليه دائماً أننا نشاهد هذه الظاهرة في المناطق الصحراوية الجافة ولكنني شاهدت ظاهرة السراب هنا. في هذه القارة الشمالية المتجمدة. شاهدت سراباً تسابق ويتسابق إليه الطلبة المتعطشون ، ولا زال السباق مستمراً نحو ذلك السراب المخادع. والذي بات يأخذ بهم بعيداً عن الصواب مما سوف يزيد من عطشهم والذي ربما سوف يخلف وراءه نهايات لا حصر لها بسبب السعي وراء ذلك السراب. حيث أن اكتشاف هذه الظاهرة في هذه القارة المتجمدة لم يكن النتاج لعلم أحد العلماء من الذين سخروا جل وقتهم في البحث والإكتشاف ، وإنما كان نتاج عقلية ميزت وتميز الصواب من الخطأ. إذ أنه ونتيجةَ تعمقي داخل حياة الكثير من الطلبه اكتشفت أنهم انخدعوا بذلك السراب ، انخدعوا بمخلفات هذه الدولة المتقدمة. بالمخلفات التي لم تعد صالحة ليستفاد منها. وبالأصح لم يحسن إعدادها ليستفاد منها. فالكثير من الشباب هنا ممن لم يحسن إعداد نفسه لم يجد المكانة الإجتماعية التي تستضيفه ، ولم يجد الشاغر الوظيفي ليشغره. وعند اصطدام أولئك الشباب بحائط التحدي والمنافسة ، حيث لم يكن في جعبهم من العداد ما يكفي لتكسير ذلك الحائط. قبلوا بالتراجع والانسحاب والبدء لعيش حياتهم المغايره. إذ ساروا يتبعون أوهامهم التي لا حقيقة لها. ساروا سعياً وراء عالم الموضة ليقفوا على كل جديد مما لا فائدة منه. حيث صنعوا من أنفسهم بأن يكونوا فريسةً سهله لأصحاب الشركات ذات الماركات والمنتجات العالمية المختلفة. من الملابس والأدوات الموسيقية وأدوات الترفيه والكثير من عالم الجديد مما لا فائدة منه . وكل ذلك السعي كان من أجل الظهور الملفت للمجتمع المحيط وللتعبير عن إبداعات أوهامهم التي ظنوا ويظنون أنها سترفع من مكانتهم وسترتقي بهم. وبالفعل كان ظهوراً ملفتاً للبعض من الطلبه المبتعثين الذين انخدعوا بذلك الظهور لينعكس ذلك على تقليدهم لتلك الفئة العمرية من الشباب. مدعين أنهم قد واكبوا ويواكبون هذه الحضارة لهذا البلد المتقدم. وأن ما حدث ويحدث هي الحضارة بعينها. إذ أنهم لا علم لهم أن أولئك الشباب لم يجدوا المكان المرموق المستضيف لهم ، ولم يعلموا أن الصورة التي رسمتها أيدي أولئك الشباب الجهلة ما هي إلا سراب وبعد عن الحضارة الحقيقة لهذا البلد. فكيف للطلبة أن يواكبوا الحضارة الحقيقية وهم سائرون وراء ذلك السراب ، وكيف لهم أن يجدوا الشاغر والمكانة الإجتماعية المرموقة عند عودتهم لأرض الوطن ، وكيف لهم أن ينهضوا ويرتقوا بحضارة وطنهم. كثيرة هي الأسئلة بحثاً عن الإجابة. وتبقى الإجابة بالعمل على البحث عن الحقيقة ومحاربة الوهم والرحيل عن السراب.