منذ سنوات والمبدع أحمد الشقيري يواصل جهداً رائعاً منظماً وموثقاً وحياً من أجل أن يستنهض الأمة ويستثير الحماس، وكانت حلقات برنامجه في العام الماضي عن اليابان هي الأروع والأشد نفعاص لأنها جسدت السلوك الياباني في تألقه والتزامه ودقته فكانت حلقات رائعة موقظة، أما هذا العام فقد عاد بنا إلى التفاخر بالماضي وكأنه بذلك يمحو شعورنا بالتقصير، ويخصلنا من احساسنا بالتخلف، ويعيدنا إلى الانتفاش الفارغ مع أنه يقصد العكس تماماً.. إن الحضارة الإسلامية قد أبدعت في كل المجالات التي كانت ضمن دوائر اهتمامها، لكنها لم تهتم بالعلوم الطبيعية وغيرها من العلوم الحديثة، ولا بالاختراعات والمخترعات، أما الذين أبدعوا في هذه المجالات فكانوا خارج النسق الثقافي العربي أي خارج الاهتمامات التي كانت سائدة في الحضارة الإسلامية إن الإبداع الفردي ظهر ويظهر في كل المجتمعات مهما كانت شديدة التخلف فحصول أفراد منا في هذا العصر على جائزة نوبل في العديد من المجالات العلمية والأدبية، لا يعني أننا قد حققنا التقدم، وبلغنا مرحلة الازدهار، فلا يحق لنا الآن أن نستدل بنبوغ أحمد زويل ومحمد عبدالسلام اللذين حصلا على نوبل في الفيزياء ولا بنجيب محفوظ أو محمد يونس الذي أبدع في الاسهاب في تمويل الفقراء ليعتمدوا على أنفسهم، فحصل بسبب ذلك على جائزة نوبل، كما حصل العالم اللبناني بيتر مدوّر على نوبل في علم الأحياء والطب. إن نبوغ أفراد من العرب مثل الطبيب العالمي مجدي يعقوب وفاروق الباز وسامي الشال وغادة المطيري وفريال بيت المال (فريال المصري) والطاهر بن جلون والطاهر وطار وفريد زكريا وإدوارد سعيد ومحمد أركون وغيرهم، لا يعيني أن العرب قد حققوا التقدم، فنوابغ الأفراد تشرق مواهبهم مهما كان المستوى الثقافي للمجتمع وقد فصلت ذلك في دراسة شاملة ستصدر قريباً إن شاء الله.. إنني أعرف إسهام المبدعين العرب في إيقاظ أوروبا في بداية نهضتها الحديثة، ولقد كان المستنيرون الأوروبيون يسمون الرشديون نسبة إلى ابن رشد، لكن هذا الفيلسوف الكبير الذي أسهم في تنوير أوروبا كان في وطنه (الاندلس) يوصم بالضلال وجرى إحراق كتبه، فلا يصح أن نفخر بمفكر نحن رفضناه وما زلنا نرفض أفكاره، وما يقال عن ابن رشد يقال عن الرازي وابن سينا والفارابي وابن النفيس والبيروني والخوارزمي وابن الهيثم وجابر بن حيان وغيرهم من المبدعين الذين استفادت منهم أوروبا، لكنهم كانوا مرفوضين عند أمتهم. إن لكل ثقافة اهتماماً محورياً تتفرع عنه اهتمامات أخرى تستغرق نشاط المجتمع وينشغل به علماؤه، وبسبب هذا الاستغراق فإن الناس في هذه الثقافة أو تلك لا يبدعون إلا في المجالات التي تتجه إليها الاهتمامات التي تربوا عليها، ولقد تأسست الحضارة العربية على الإسلام، فالدين هو الذي أخرج العرب من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى الهدى، ومن العزلة إلى الظهور، ومن العشيرة إلى الدولة، ومن الشتات إلى الأمة، فاتجهت اهتمامات الدارسين والباحثين في الحضارة الإسلامية إلى المعرفة الدينية المحضة، أو إلى المجالات التي تخدم الدين كعلوم اللغة، ولقد أنجزت الحضارة الإسلامية انجازات ضخمة وهائلة ومتنوعة في مجالات العلوم الإنسانية، وفي كل ما له علاقة بها مثل علوم اللغة، فمن يقرأ كتاب (المحلى) لابن حزم أو كتاب (المغني) لابن قدامة أو غيرهما من كتب الفقة يعيش مع جهود غير مسبوقة في مجالها، ونجد الدقة والأصالة في كتب أصول الفقه، كما نجد الضخامة الهائلة والجهد الخارق في علوم اللغة وفي مجال حفظ الأحاديث واسنادها إلى رواتها بدقة متناهية وبتفاصيل هي غاية في الاحاطة والمتابعة. إن الحضارة الإسلامية قد أبدعت في كل المجالات التي كانت ضمن دوائر اهتمامها، لكنها لم تهتم بالعلوم الطبيعية وغيرها من العلوم الحديثة، ولا بالاخترات والمخترعات، أما الذين أبدعوا في هذه المجالات فكانوا خارج النسق الثقافي العربي أي خارج الاهتمامات التي كانت سائدة في الحضارة الإسلامية، فابن رشد لا يمكن أن ندعي أنه نتاج الثقافة العربية لأنه يستمد معارفه من الثقافة اليونانية، ومثل ذلك يقال عن الرازي والكندي وابن النفيس وغيرهم. إن الذي يدرس الحضارات سيلاحظ أن إبداعات الأفراد في أي مجتمع قد تأتي ضمن اهتمامات وثقافة المجتمع الذي ينشأون، فيه وفي هذه الحالة يكونون داخل النسق ومن نتاجه ويمثلهم في الحضارة الإسلامية: الفقهاء وعلماء اللغة وعلماء التفسير والشعراء وأهل الأدب وغيرهم، لكن مبدعين آخرين تكون إبداعاتهم نتاج اهتمامات فردية محضة تستقي مكوناتها من المعارف الإنسانية خارج السياق الثقافي السائد، وهذا هو شأن ابن رشد والكندي والرازي وابن النفيس وابن الهيثم والفارابي وابن سينا وغيرهم من المبدعين العرب الذين استفادت منهم أوروبا ومثلهم المبدعون العرب في هذا العصر. هذا من ناحية، ومن جهة أخرى فإن أولئك المبدعين العرب قد تتلمذوا على الفكر البوناني، وكانوا خارج النسق الثقافي العربي السائد، وكانوا يسمون (النوابت) تحقيراً لهم ونفياً لمجالات اهتمامهم، أي أن الثقافة السائدة كانت تعتبرهم مثل الأعشاب الضارة التي تنبت وسط الزراع النافع، ولقد قرأت الكثير من الكتب عن فضل الحضارة الإسلامية على حضارة الغرب، فوجدت أن جميع المفكرين والعلماء الذين تتكرر أسماؤهم في هذه الكتب قد تتلمذوا على الفكر اليوناني، وكانوا أفراداً متناثرين، ولم يكونوا يشكلون تياراً في المجتمع، فكل فرد هو نتاج ذاته وليس نتاج مدرسة ممتدة في السابق، ولا مستمرة في اللاحق، وإنما هم نشاز على الثقافة السائدة وهذه حقيقة شديدة الوضوح، وحتى الذين أشادوا بفضل العرب على الغرب كانوا يؤكدون هذه الحقيقة في الوقت نفسه.. إن الحضارة الإسلامية كانت وما زالت معنية أساساً باصلاح الإنسان عقيدة وشريعة وبيان ما يجب وما يحرم وما هو مستحب أو مندوب أو مكروه أو مباح ودخلت في هذه المجالات في تفاصيل شاملة وتعليلات دقيقة مذهلة وفي كل ذلك انجزت انجازات هائلة لا مثيل لها في أية حضارة سابقة ولا لاحقة، لقد كان وما يزال الاهتمام في الدراسة والبحث والتأليف والعلم والمعرف مستغرقاً في الهم الديني استغراقاً حتى الجوانب الفقهية المتعلقة بالمعاملات الدنيوية كانت تبحث بوصفها قربة إلى الله واسهاماً في تطبيق شرعه وليس من أجل تنمية هذه الجوانب. إن الأمة لا يمكن أن تنجز إلا في المجالات التي تهتم بها، وكذلك الأفراد لا يبدعون إلا في الحقوق التي تستغرق اهتمامهم، فعلى مستوى الأفراد كما على مستوى الأمم لا ينشغل الإنسان |أو الشعب إلا بما يهتم به، فاهتماماته هي التي تستنفر طاقته وتستغرق نشاطه، أما منبع الاهتمامات فهو منظومة القيم، فلا يهتم الإنسان إلا بما له قيمة عنده مما اعتاد على تبجيله والعناية به، ومع أن العرب ليسوا زهاداً بالدنيا، إلا أنه في المجال العلمي والمعرفي كان اهتمام علمائنا مستغرقاً في المسائل الدينية وبكل ما يخدم الإسلام من علوم، إن الدين هو أعظم وأهم شيء في حياة الإنسان، إنه محور الحياة الإنسانية، وهو أهم قضية في حياة الفرد والمجتمع والله سبحانه يقول: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، فتركيز الحضارة الإسلامية على الإبداع في المجالات الدينية هو تركيز سائغ ومفهوم ومنطقي، ويأتي منسجماً مع الأهمية المركزية للدين في حياة الإنسان، فليس غريباً أن نؤكد هذه الحقيقة، وإنما الغريب أن لا تكون هذه الحقيقة واضحة.. إنه لشيء عظيم أن يبدع المسلمون في المجالات الدينية كل ذلك الإبداع الهائل العظيم، لأن الدين قضية محورية في حياة الإنسان، لكن التفاخر الذي لا يمكن قبوله هو الإدعاء بأن الحضارة الإسلامية قد أبدعت بنفس المستوى في مجالات الدنيا، لأن التاريخ والتراث والواقع كلها تؤكد عكس ذلك، فالإجداب في مجالات الإبداع الدنيوي ما زال شديد الوضوح في كل المجتمعات الإسلامية، وهذا لا يعني أننا زاهدون في الدنيا، بل كما قال ابن خلدون: «الناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها من جاه أو ثروة وليس في الأكثر براغبين في الفضائل ولا متنافسين في أهلها» فليس تخلفنا عن تطوير أمور الحياة ناشئاً عن زهد فيها، وإنما هو المزاج الحضاري الذي لم يكن أبداً متطلعاً إلى الكشف والاختراع وابتكار الوسائل والمناهج والعلوم التي تنمي الحياة الدنيوية، فلم تكن هذه الاهتمامات تشغل علماءنا لا في الماضي ولا في الحاضر، إلا الذين تتلمذوا في الماضي على حضارة اليونان، وهم أفراد قليلون كانوا نشازاً على الثقافة السائدة، ومثلهم الذين تتلمذوا في هذا العصر على حضارة الغرب، لقد تخصصت حضارتنا في مجال هو أهم قضايا الوجود، وهي قضية الدين فأبدعت فيما تخصصت فيه، ولا يضرها أن تبدع حضارات أخرى في المجالات التي تشغلها وتستحوذ على اهتمامها فيحصل التكامل بين الحضارات، إن حضارة الإسلام هي في الأساس قامت لدعوة الناس إلى الإيمان بالله وحده واخضاع الحياة لمقتضيات هذا الإيمان.. إن الحضارة الإسلامية هي حضارة دعوة دينية وحتى حين تهتم بالدنيا، فإنها تهتم بها بوصفها طريق الآخرة، وقد تمركز اهتمامها العلمي حول هذا المحور تمركزاً شديداً بل كلياً، فكل حضارة لها اهتمام محوري، وقد كانت المسائل الدينية هي الاهتمام المركزي الذي تمحورت حوله، فانجزت فيه الذخائر الدينية ما لا مثيل له، ومن الطبيعي أن صرفها هذا التمحور عن الاهتمام بتنمية أمور الدنيا، بل ما زال المشايخ والدعاة يحذرون من الاهتمام بأمور الفكر غير الديني، ومن أقرب الأمثلة على هذا التحذير ما كتبه الشيخ سعد الحصين بجريدة الاقتصادية يوم 16/11/1426ه حيث كتب يقول: «وقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بلسان قومه ليتفقهوا في الدين وليدعوا إليه على بصيرة.. والانصراف إلى الفكر يشغل عن هذه الغاية الربانية العظيمة ويقطع الطريق عليها ويعوق عنها ولذلك لم يعرفه ولم يسع إلى معرفته خيار المسلمين وقودتهم يوم كانوا هم القادة وهم السادة في أرض العرب والعجم، بل كانوا أكبر همهم العلم بشرع الله والعمل به وتبليغه» ومثل هذا الكلام يتكرر ليلاً ونهاراً من المنابر والمحاريب ومن الإذاعة والتلفاز وفي المدارس والجامعات وفي المجالس والمنتديات، كما يتكرر في الكتب والصحف ويسمعه الناس في كل المحافل، وحتى في حفلات الأعراس واجتماعات الأفراح.. إن الفقهاء والعلماء وأئمة الدين قد انقطعوا للعلوم الدينية كعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلم أصول الدين وعلم الفقة وأصوله وغيرها من العلوم الإسلامية التي امتزت بها حضارتنا، بل حتى الأشتغال بعلوم اللغة كان التأكيد يأتي دائماً بأن هذا الانشغال بها هو من أجل فهم الدين وخدمته وحتى الاهتمام بجمع الشعر وروايته وتدوينه كان يأتي مصحوباً بأنه من أجل خدمة القرآن وفهمه حتى الذين اشتغلوا بالفلسفة والعلوم العقلية كانوا في الغالب مدفوعين بخدمة الدين، فإذا كان ابن رشد هو أشهرهم، فإن كل كتبه باستثناء شرحه لأرسطو كانت تستهدف البرهنة على أن النقل لا يخالف العقل، وأن تشريعات الدين عظيمة ليس فقط بمعيار النصوص، وإنما أيضاً بمعيار الفلسفة والعقل، وفي العصر الحاضر ما زالت علوم العصر خارج بنيتنا الوجدانية، فمزاجنا الحضاري مزاج ديني، لذلك قرأنا وسمعنا عن أسلمة العلوم، كما نجد الكثير من الأطباء والمهندسين يتخلون عن مجالات تخصصاتهم ويتفرغون للدعوة، وحين يؤلفون في الطب والهندسة يحاولوا صبغ البحوث بصبغة دينية، فالطابع الديني هو طابع شديد الوضوح، وهذا شيء عظيم إلا إذا أدى إلى أفقار المجالات الدنيوية فإنه يكون ضاراً لأنه لا عزة للإسلام إلا إذا ارتقت حياة المسلمين وتعزز دنياهم.. وما قلته ليس جديداً بل هو معروف على مدى التاريخ، فابن خلدون قد أفاض فيه وفصله تفصيلاً كافياً في مقدمته الشهيرة، إن عظمة الإسلام هي التي رفعت شأن العرب ولولاه لبقوا شعباً بدائياً، فالشعوب الأخرى منذ آلاف السنين شيدت حضارات وأقامت دولاً، أما العرب فقد بقوا عند مستوى القبيلة والعشيرة ولم يصلوا إلى مرحلة الدولة حتى جاء الإسلام ونقلهم إلى مستوى الأمة والدولة، وحين انطلقوا داعين إلى الله وجدوا حضارات قائمة وحكموها وأفرغوا اهتمام وطاقة العلماء الذين دخلوا في دينهم في مسائل الدين، وبذلك صار تراثهم الديني زاخراً لكنهم لم يهتموا بتطوير الدنيا.. إن الهم الأول والمحور الذي كان يدور حوله نشاط علمائنا هو أن تسترشد الدنيا بالدين وتلتزم به وتُساس بأحكامه، وهذا شيء عظيم، لذلك لا يفوت ابن خلدون أن يؤكد بأن صلاح الآخرة هو الغاية من الحضارة الإسلامية فيقول: «ومقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم»، ويقول: «والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به»، فالغاية هي إصلاح الآخرة أما اصلاح أمور الدنيا فهو مطلوب بمقدار ما تتطلبه المصالح الأخروية فالحياة الدنيا جد قصيرة أما الحياة الآخرة فهي أبدية ومن هنا يكون الاهتمام بالآخرة منطقياً وعقلانياً فلا يباع الجليل بالقليل ولا العظيم بالزهيد وليس هذا هو موضوع الخلاف إنما ينبغي أن نعرف بأن حضارتنا ركزت على هذا الجانب فلم يهتم علماؤنا وأئمتنا بتنمية الحياة الدنيوية وإنما اهتموا باصلاح الحياة الدينية وبضبط الدنيا بالدين من أجل الحياة الأبقى، ومن هنا جاء القول بأن حضارتنا هي حضارة دينية إلى درجة أن الإمام الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) كان يزدري الفقهاء لأن الفقه ليس انشغالاً خالصاً بمسائل الدين وإنما بخالطه انشغال بمسائل الدنيا.. ومعلوم أن الفقه هو أقرب العلوم الإسلامية إلى الدنيا، ولكن من يقرأ الفقه يجد أن فقهاء الإسلام قد اعتنوا بأحكام المعاملات وبكل ما يتعلق بالدنيا من أجل تحديد كيف تدار الدنيا بانصاف وعدل وكيف يدرؤون الظلم والحيف والعدوان عن الناس وهذا الاهتمام هو جزء من اهتمامهم بالدين وليس من أجل الدنيا، والفرق واضح بين الاهتمام بضبط الدنيا بالشرع وبين العمل على تنمية الدنيا وتقديم الأفكار من أجل تطوير وسائل الحياة وفتح العقول على الامكانات الهائلة المخبوءة في الأشياء، فالفقهاء قد اهتموا بضبط الواقع بتعاليم الإسلام لكنهم لم يهتموا بتنمية الواقع وتطويره والفرق هنا فرق نوعي.. وبهذا التوضيح لعله قد تبين في أن للمبدعين العرب فضلاً عظيماً على حضارة الغرب، لكن يتبين بنفس الوضوح بأن أولئك الأفراد الأفذاذ المبدعين من العرب ليسوا من نتاج الثقافة العربية وإنما كانوا خارج النسق الثقافي العربي، فقد تتلمذوا على الفكر اليوناني وأبدعوا في المجال نفسه وكانوا مرفوضين من المجتمع العربي ومن الثقافة العربية وما زال الكثيرون منا يحذورن منهم ومن كتبهم، ومن آخر ما قرأت في هذا الصدد ما كتبه الشيخ سعد الحصين بجريدة الاقتصادية يوم 16/11/1426ه حيث كتب يقول مستنكراً: «سلسلة تباهي العرب اليوم بما ليس لهم وتكاثرهم بما لم يعطوا وقولهم بما لم يفعلوا كمثل دعوى أنهم أسسوا الحضارة الغربية بفكر أمثال ابن سيناء في الفلسفة والطب والبيروني في الفلسفة والرياضيات والخوارزمي في الرياضيات والفلك وأنهم أسسوا في الطيران بأسطورة عباس بن فرناس.. وجل من تحقق له انجاز فكري أو فني أو مهني سواء بالترجمة عن فكر اليونايين والهنود وقد انصرفوا عن العلم الشرعي إلى هذا الفكر رغم انتمائهم إلى الإسلام وليس بسببه بل لضعف التزامهم بمنهاج النبوة في الدين الحق والدعوة إليه»، وهكذا نجد واحداً من أشهر الدعاة في المملكة حالياً يقصي هؤلاء ويعتبرهم نشازاً على الحضارة الإسلامية وهذا شاهد مما لا يحصى من الشواهد على أن المبدعين في عصورنا السابقة في غير المجال الديني كانوا أفراداً أبدعوا خارج النسق الثقافي السائد وكانوا وما زالوا مرفوضين منه.