حسب كارل ياسبرز الفيلسوف الألماني من المدرسة الوجودية؛ فهو يرى أن هناك عصراً يحدد انبثاقة روحية في تاريخ الإنسانية، وأنها لم تكن فقط في أرض اليونان، فقد ظهر مثيلها في وقت متعاصر في أماكن شتى في الأرض، وهو ما يسميه كارل ياسبرز العصر المحوري في التاريخ، الممتد بين العام 200 و 800 قبل الميلاد. في هذا العصر ظهر طاليس «Thales» في الساحل المواجه لليونان حيث تركيا الحالية في الميناء الحيوي ميليتوس «Mellitus». في نفس الوقت ظهر «زرادشت» في فارس، و»كونفوشيوس» و «لاوتسي» في الصين «Lao – Tse»، والأوبانشيد «Upanishads» و»بوذا» في الهند، وطائفة من الأنبياء العبرانيين في فلسطين، بالإضافة إلى «هوميروس» صاحب الإلياذة والأوديسة، والتراجيديون والفلاسفة في بلاد الإغريق. يوصف طاليس الذي كان من نجوم ربيع الفلسفة في أرض اليونان، أنه كان رجلاً عملياً حاول فهم الطبيعة الأولى التي يتكون منها الكون، فوصل إلى أن أصل الأشياء هو الماء. عاش طاليس حكيماً ومفكراً ومهندساً وفلكياً يبحث في العلم أكثر من الأساطير، وتنبأ بكسوف الشمس عام 585 قبل الميلاد، وكان الناس يرتعبون منه، كما جاء في رواية كولومبس حين خاف أهل الجزر من كسوف الشمس فطلب الطعام منهم كي يتشفع عند إله الكسوف فيزول، فضحك عليهم، وأعطوه الزاد مقابل كسوف سوف ينقشع بعد فترة قصيرة، فملأ كولومبس سفنه بأطايب الطعام من قوم بسطاء لا يفقهون. يعتبر طاليس واحداً من رهط فلاسفة ذلك الربيع، الذي ضم عباقرة من أمثال «أناكسيماندر» الذي ذهب أيضاً إلى أن أصل الحياة من الماء، وأن أصل البشر من سمك! و»بيثاغوراس/ فيثاغورس» الذي رأى العالم في صورة أرقام، و«هيرقليطس» صاحب المبادئ الأربعة: أن أصل الحياة النار، وأن الكون تدفق وتغير، ومن وضع قدمه في النهر مرتين لا يبقى نفس النهر، وأن الكون يقوم على توازن عادل، وهو في هذا يؤكد منطق القرآن أن الكون لم يخلق عبثاً بل بالحق، وأخيراً كان يرى الرجل أن الحرب هي أم التاريخ وأبوها، تدفع شعوباً للسيادة وأخرى للعبودية!، ويكمل هؤلاء «السوفسطائيون» الذين كانوا يريدون نقل المعرفة مبسطة للعوام، وكذلك الذريون «من يرى أن بناء العالم من ذرات»، وصَدَقوا، مثل «ديموقريطس» و«لوسيبوس».. كل هذا تشكل وتخمر قبل أن تبدأ رحلة النضج على يد الثلاثي المشهور: سقراط وأفلاطون وأرسطو. ويبقى سقراط الفلتة العقلية أو طفرة التفكير المدهشة؛ فهو من أثارَ العقل إلى القمة، ومن أفكاره تولدت عشرات المدارس الفلسفية؛ مثل الأبيقوريين والكلبيين والرواقيين.