انتهت مهلة التصحيح للعمال الوافدين مخالفي نظام الإقامة في السعودية، التي ظلت تمارس الأعمال في ظل تراخي الأنظمة المحلية التي غضت الطرف كثيرا عنهم حتى تراكمت السنون على مخالفاتهم لأنظمة العمل والإقامة، وها هي اللجان بعد انتهاء فترة التصحيح بدأت فرقها العاملة المكلفة بالتفتيش في المحلات التجارية والمؤسسات والشركات للبحث عن العمالة المخالفة المتبقية لتطبق بحقهم الأنظمة والقوانين الصادرة بهذا الخصوص، من أجل الحفاظ على أمن البلد واستقراره، وفتح المجال في سوق العمل للاستفادة من الفراغ المهني الذي يخلفونه وراءهم بعد رحيلهم. لست أدري ما مدى استفادة الشعب السعودي من هذه المهن؟ ومدى الاستفادة من تلك الأعمال الشاغرة الآن؟ فلا أرى شيئا معيبا في العمل النظيف والكد من أجل الكسب الحلال، بدلا من العطالة والبطالة، فليس بالضرورة البحث عن وظيفة حكومية، فما المانع من تغطية السوق باحتياجاته من السعوديين القادرين على العمل؟ فالوافد إلينا للعمل يشعر بأهميته القصوى، وحاجتنا إليه، وهنا يبرز سؤال مهم، إلى متى يبقى سوق العمل السعودي في حاجة الوافدين؟ ومتى يصبح لدينا اكتفاء ذاتي، ولا نحتاج إلى الوافدين إلا في الضرورات القصوى؟ لا أقول هذا تحريضا على عدم الاستقدام وحرمان الآخرين من لقمة العيش التي تكفلها لهم النظم الإنسانية، ولكن ذلك مهم لتصحيح وضع العمالة السعودية، فهذا الملف مهم جدا يجب فتحه ومناقشته الآن. لاحظنا قبل انتهاء المهلة بأيام قليلة مغادرة عشرات الآلاف من العمالة المخالفة خوفا من القبض عليهم وتطبيق الأنظمة في حقهم، وحق المتسترين عليهم، وقد جاءت ردود الفعل من بعض المغادرين غاضبة ومتشنجة ومحتقنة بعد وصولهم إلى بلدانهم، فأخذ بعضهم يندد ويتوعد ويهدد، في محاولات يائسة لصنع أزمة بين السعودية وبعض البلدان العربية، متناسين حق أي بلد في سن القوانين والأنظمة والحرص على تطبيقها شاء من شاء وأبى من أبى. لا يعنيني ماذا قالوا؟ وبماذا توعدوا؟ ما يعنيني هو وقوعنا في مشكلة كبيرة لم يتنبه لها المعنيون بأمر التصحيح، هذه المشكلة ظهرت منذ اليوم الأول من شهر محرم الحالي، وأخشى أن تقودنا إلى أزمة حقيقية حيث أصبحنا في ثاني أيام التفتيش نبحث عن مخبز وعن فوال وعن كهربائي وسباك ولم نجد، بالإضافة إلى إغلاق عديد من المحلات التجارية التي كانت تتستر على العمالة المخالفة فيما سبق أبوابها، وقد تطول فترة توقف العمل فيها حتى يتم استقدام عمالة نظامية بديلة. لعله من المناسب أن ننوه عن تلك الشركات والمؤسسات التي بدأت تعلن عن نفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بأن لديها من العمالة ما يكفي لتغطية الفراغ الناجم عن ترحيل كثير من العمالة المخالفة، وفق عقود وأسعار مغرية ولكننا عند الاتصال بهذه الشركات من خلال الأرقام المدرجة في الإعلان نفاجأ بأن هناك شيئا من الوهم يحاولون بيعه على العامة وخصوصا الباحثين عن العمالة المنزلية والسائقين لحاجة المنازل الماسة إليهم، وللأسف إن كثيرا من المواطنين قد يتسرعون في دفع الرسوم التي يطلبونها، ولا تأتي لهم العمالة المطلوبة، وما ذلك إلا نوع من الابتزاز للمواطن، لذا يجب الكشف عنهم، وحماية المواطن منهم. التحذيرات لا تكفي، بل يجب البحث عن هذه المؤسسات الوهمية والقبض على أصحابها وإيداعهم حيث يرتاحون ويريحون الناس منهم، وهناك مشكلات أخرى ممثلة في بعض العمالة المنزلية وخصوصا من الجنسية الإثيوبية الذين تمسكوا بالمنازل التي يعملون فيها، وحماية أرباب البيوت لهم في الوقت الراهن غير آبهين بالتحذيرات المتناقضة التي نشرتها وزارتا الداخلية والعمل، فقد اطمأن الأهالي لقرار عدم تفتيش المنازل، وهذا لعمري إحدى المشكلات التي تزيد وتكبر في المجتمع، نظرا لزيادة الحاجة الضرورية إلى العاملة المنزلية، بل واستعداد المواطن لدفع الرواتب العالية التي تطلبها العاملة بالرغم من مخالفتها الأنظمة التي تتجاوز ثلاثة آلاف ريال في أحايين كثيرة. شركات تأجير العمالة مطلب ضروري وملح لحاجة المواطنين، حتى من قبل حملة التصحيح، لكن أين هي الشركات؟ وكيف سيتم التعامل معها؟ ومتى نثق فيها؟ كل ذلك لن يتم إلا إذا تبنت وزارة العمل الإشراف على هذه الشركات، والإشراف على العقود بينها وبين المواطن، لحماية الطرفين. كنت أتمنى قبل عملية التصحيح الموفقة التي جاءت في وقت مناسب، أن تكون هناك دراسة تسبق الحملة للتخطيط والاستعداد لمواجهة تداعيات التصحيح التي تنشأ عادة في مثل هذه الحالات نظرا لغياب العمالة المخالفة، وأن تقوم الجهات المعنية باعتماد عمل شركات التأجير التي يعول عليها المواطنون كثيرا لاستئجار العمالة المنزلية والسائقين، وكذلك تغطية حاجة المقاولين للعمالة لإنهاء الأزمة التي ظهرت الآن بوضوح بعد أن تسربت العمالة أو خافت من البقاء بعد انتهاء المهلة، وعادت إلى بلدانها.