صدر الأمر الملكي الكريم بتمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة إلى نهاية العام الهجري، بناء على طلب وزارتي الداخلية، والعمل بعد أن تبين أن المهلة الأولى لم تكن كافية لحل المشكلات. وتمديد المهلة، بناء على الجهات التنفيذية، يؤكد جديتها ورغبتها في إزالة كل الأسباب التي قد تحول دون بلوغ الهدف المنشود، ولهذا طالبت بإعطاء الفرصة الكافية للأطراف المستفيدة حتى تتمكن من الاستفادة القصوى وحتى لا تترك أعذارا تعطل حملات التفتيش والملاحقة بعد انتهاء المهلة، فقد أعطت الجهات الرسمية الكل الفرصة الكافية. وتمديد المهلة فيه إشارة واضحة إلى أن دواعي صدور الأمر الملكي الكريم بمهلة التصحيح لاتزال قائمة، وهي وجود عمالة مخالفة تشكل قلقا للمسؤولين في الجهات الأمنية، ووزارة العمل، والمعنيين بالتخطيط الاقتصادي. ولأن الهدف الأساسي هو إعطاء الجميع العمالة والقطاع الخاص الفرصة الكافية لتصحيح هذا الخلل، فقد صدرت التوجيهات بالتمديد، وإعطاء فرصة أخرى نهائية لا تدع عذرا لأحد، وتقطع الطريق على كل المتهاونين أو المتهربين. ملاحظات المرحلة الأولى وتشير المعلومات غير المدققة إلى أن المرحلة الأولى من المهلة استفاد منها أكثر من 1.5 مليون شخص تمكنوا من تصحيح أوضاعهم كما غادر خلالها، أكثر من 200 ألف عامل مخالف مستفيدين من الإعفاءات والرسوم والعقاب. وكانت الفترة الأولى من المهلة قد كشفت حجم المشكلة، وضخامة الأعداد، وعدم كفاية الاستعدادات التي أعدتها الأجهزة التنفيذية لمواجهة هذه الأعداد الكبيرة .كما كانت تجربة مفيدة ستعين التنفيذيين في المرحلة المقبلة على تلافي ما فيها من نقص وأخطاء، وربما عدم التنسيق بين الجهات المتصلة بهذا الأمر إلى جانب تعاون المواطن، والعامل الراغب في التصحيح، فعلى الرغم من حالة الاستنفار التي سادت مكاتب العمل، والجوازات، والقنصليات الأجنبية إلا أن الأعداد الكبيرة المتدفقة على هذه الجهات كانت فوق التقدير، ولم تكن كل الأجهزة مستعدة للتعامل مع هذه الأعداد من حيث الكوادر والتجهيزات والأماكن المعدة لاستيعاب المراجعين . وقد وشهدت هذه المواقع ازدحاما كبيرا أدى إلى بعض الحوادث المؤثرة على سير العمل في بعض المواقع، وكشفت التجربة نقصا ملحوظا في إمكانيات واستعداد بعض السفارات والقنصليات الأجنبية التي لديها أعداد كبيرة، كل هذا أدى إلى تأخير التنفيذ في الوقت المحدد. الاستفادة من التجربة وتبدأ المرحلة الثانية من المهلة التي تمتد من اليوم وحتى نهاية شهر ذي الحجة أي أكثر من ثلاثة أشهر، وهي مهلة نهائية وكافية لمعالجة هذا الملف بما يحقق الهدف الأساس، ويساعد على معرفة أبعاده، وتحديد أسلوب التعامل معه بصورة عملية .. وهذا يتطلب من كل الجهات المعنية أن تدخل هذه المرحلة ببرنامج واضح يستفيد من تجربة الجزء الأول، و يضع كل متطلبات تغطية المهلة بما يحقق الهدف منها فعلى الشركات والمؤسسات والأفراد أن يدركوا أهمية هذا التمديد، ويعطوه الاهتمام الذي يستحقه حتى لا تضيع الفرصة. ويتوقع أن تدخل مكاتب العمل تنفيذ هذه المرحلة، وقد تجاوزت حالة الارتباك التي ظهرت في الأيام الأولى للمهلة المنتهية، وتزيل كل العقبات التي حالت دون تسريع العمليات اليومية، كما يستحسن أن يعاد النظر في بعض الإجراءات التي تعرقل الاستفادة القصوى من المهلة. فإدارات الجوازات تحتاج إلى برنامج عمل مستمر على مدار الساعة حتى لا نصل إلى نهاية المهلة وهناك معاملات متراكمة فاستغلال الوقت شيء مهم في هذه المرحلة خاصة أن الفترة المقبلة يتخللها شهر رمضان والعيدان إلى جانب موسم الحج وما يفرضه من توجيه طاقات الأجهزة إلى خدمة ضيوف الرحمن. مخاطر عدم التصحيح هذه الخطوة كشفت حجم العمالة المخالفة، وغياب الأرقام الحقيقية للمقيمين على أرض المملكة، وهو الأمر الذي يخلق وضعا مقلقا على كل المستويات الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية. فهذه العمالة المخالفة يدير الكثير منها أنشطة مهددة للأمن، ومزعجة للاستقرار، وضارة بالاقتصاد، حيث يقوم وجودها ونشاطها على مخالفة النظام، و العمل خارج دائرة المسموح به. وتشير بعض الدراسات إلى أن جزءا كبيرا من هذه العمالة المخالفة يعمل في التهريب والغش والتستر التجاري، وكلها أمور تشكل ضررا على الوطن، ومن هنا يصبح تصحيح أوضاعها عاملا مهما في التقليل من ظاهرة التستر التي تشكل خللا في هيكل الاقتصاد. الفوائد الاقتصادية التصحيح يسهم في إيجاد بيئة عمل شفافة يمكن مراقبتها وضمان سلامة العلاقات بين أرباب العمل والقوى العاملة وبالتالي حفظ حقوق الطرفين، وهذا يقلل من المشاكل وما يترتب عليها من شكاوى وقضايا تشغل الأجهزة الرسمية، وتلحق الضرر بسمعة المملكة في المحافل العمالية والحقوقية . وسيحقق التصحيح الكثير من الإيجابيات الاقتصادية ومن أوضحها: إعادة تنظيم سوق العمل، والتخلص من الفوضى الحالية، وتمكين الجهات الرقابية والتنظيمية من حفظ حقوق العمالة الوافدة وحمايتها من أي ظلم يقع عليها كما كان يتم في ظل عدم قدرة المخالف على الشكوى لدى الجهات الرسمية. وسيكون من نتائج التصحيح تحديد الأجور، والتزام الشركات والمؤسسات والأفراد بها، وربطها بالأسعار. ويؤدي التصحيح إلى بناء قاعدة معلومات كاملة عن القوى العاملة، والتعرف على الأعداد الحقيقية وهذا سيمكن وزارة العمل من تصنيف الوظائف الموجودة، وإعادة هيكلة سوق العمل بما يتناسب مع الأجور والأسعار. وقاعدة المعلومات فوائدها لا تقتصر على هيكلة سوق العمل، بل ستساعد المخطط العام لمعرفة الاحتياجات في الخدمات العامة: التعليمية والصحية وغيرها التي تتصل بمستوى المعيشة، وحياة الناس المقيمين على أرض المملكة، وستمكن المخطط لبرنامج السعودة من خفض العمالة الوافدة، ورفع الطلب على الأيدي العاملة الوطنية. حقائق يجب مواجهتها هناك حقائق على أرض الواقع لابد من مراعاتها حتى يمكن عبور مرحلة التصحيح دون أن تترك آثارا سلبية على الاقتصاد الوطني. ومن الواقع أن قطاع المقاولات كان يعتمد في غالبيته على العمالة التي تعمل بسعر «الوحدة» ولا ترضى بالعمل بالراتب. (الحداد والنجار)، ومن المتوقع أن يواجه قطاع المقاولات مشاكل من نقص هذا النوع من الأيدي العاملة التي لا تتوفر بين القوى الوطنية. و هذه المهن عادة يعمل أصحابها بالإنتاج وليس الراتب لأن نظام الراتب ليس في صالح المقاول. فكيف يتعامل النظام مع حاجة قطاع المقاولات؟ وقد يرفع البعض لافتة الأضرار التي منها: تفريغ السوق من العمالة في فترة التصحيح المحددة بزمن قصير ، وهذا يترك آثاره السلبية على الأسعار.. ضرورة مواجهة الواقع هذه الأوضاع تحتاج إلى تعامل يراعي المصلحة الخاصة شريطة ألا تغيب عن الهدف المصلحة العامة المستحقة من تصحيح الأوضاع والتي تخدم مصلحة الجميع في النهاية، وتستدعي من الجميع، شركات ومؤسسات ومواطنين، تفهم هذا الهدف الوطني العام، والتعامل معه دون وضع المصلحة الشخصية عائقا في طريقة، وستكون النتيجة في صالح الجميع إذا أحسنوا التعامل معها.. إجراءات ما بعد التصحيح يتوقع أن تنهي المهلة الجزء الأكبر من أوضاع المخالفين، وتهيئ القطاع الخاص والأفراد لمرحلة ما بعد التصحيح وهي مرحلة ستكون أكثر تنظيما، وأقدر على تلبية احتياجات الناس دون اللجوء إلى مخالفة النظام، وهذا يتطلب سلسلة من الإجراءات والمشاريع التي تضمن استقرار حالة الالتزام بالنظام ويأتي في مقدمة الإجراءات المطلوبة: 1 إيقاف تجارة التأشيرات بصورة عملية تساوي بين الجميع .. وهذا «البيع» هو أكبر مصدر لوجود العمالة المخالفة فإذا توقف يمكن محاصرة المخالفات وحصرها في نطاق ضيق. 2 إنشاء شركات توفر العمالة المؤقتة لطالبيها بأسعار معقولة مع ضمان أداء المطلوب منها، وتحمل كل المسؤوليات القانونية.. هذه الشركات إذا استطاعت توفير الأيدي العاملة وبأسعار مناسبة ستكون طريقا يحمي المواطن والشركات من المخالفات. 3 دراسة أوضاع كل قطاع ومراعاة احتياجاته الحقيقية والمساعدة على تلبيتها دون اضطراره إلى المخالفات. الخلاصة المملكة بلد جاذب للوافدين اقتصاديا ودينيا، وستظل هدفا للباحثين عن الرزق، وتحسين الأحوال والهروب من القلاقل والجوع.. هذا قدرها الذي سيظل قائما مع الازدهار الاقتصادي، والاستقرار السياسي، والاستتباب الأمني، وهذا يعني أن تدفق العمال سيظل محتملا والسوق سيظل لفترة طويلة محتاجا إلى الأيدي العاملة الوافدة في أكثر من قطاع لكن المطلوب على جميع المستويات الرسمية والشعبية التعامل مع هذه الحقيقة بما لا يؤثر سلبا على الاقتصاد، ومشاريع التنمية، ومصالح الأفراد شريطة مراعاة المصلحة العليا التي تتطلب معرفة أوضاع كل من يعيش على هذه الأرض، وضرورة أن يكون في وضع قانوني سليم.. وهذه المهلة المعطاة ستكون فاصلة إذا تكاتف الجميع على استثمارها، والتوجه بصدق إلى تصحيح الأوضاع.