منذ أكثر من عشر سنوات ونظام التقييم في المراحل الأولى الدراسية (مرحلة الابتدائي) لا يزال ساري المفعول.. بالرغم من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا النظام من حيث مدى جدواه وفائدته لأبنائنا، خاصة أن هذا النظام يطبق في مرحلة حساسة، تعتبر اللبنة الأولى والبناء الأساسي الذي يبنى عليه معرفة مستويات أبنائنا في المراحل القادمة من الدراسة.. كثير من الباحثين والمفكرين انتقدوا هذا النظام من التعليم في المرحلة الابتدائية و طالبوا تكراراً ومراراً بإلغائه، والذي أدّى إلى تجهيل أبنائنا وعدم جديتهم في دراستهم، فالتقييم الذي يمارس في المراحل الابتدائية لأبنائنا ليس بتقييم وليس نظاماً يعّتد به لتعلم طلابنا في هذ المرحلة.. فالمدرس لا يعي ما هو مطلوب منه في هذه المرحلة.. بل الغالبية العظمى من المدرسين يعتبرون هذه المرحلة للراحة و الاسترخاء، وليس بالضرورة بذل الجهد من أجل تعليم الطلاب و إعطائهم الدروس المطلوبة، و بالتالي ما يهم الطالب ووالده أن يرى في نهاية كل فصل مستوى ابنه لكل المواد تقييمها (1) بغض النظر عن مستوى ابنه أو هل استحق ذلك بجدارة وعن معرفة حقيقية أم فقط من أجل ذر الرماد في العيون. والمصيبة الكبرى أن الآباء تعوَّدوا خلال المرحلة الابتدائية على أن يروا شهادات أبنائهم مرقّمة (1).. هذا الوضع المتدهور في العملية التعليمية سيؤدي بأبنائنا في المراحل القادمة إلى التجهيل وعدم الجدية، ومع الأسف عندما تتحدث إلى بعض المدرسين عن موضوع التقييم لا يوافقون على ذلك و بعضهم ينتقد التقييم.. ولعل وقفة تأمل بنظرة واقعية لهذا المشروع تجعلنا نرى أن كثيراً من نقاط الضعف يتصف به هذا المشروع الذي أفرز لنا مخرجات من الطلاب ضعيفي التعليم فلا قراءة جيدة ولا كتابة متقنة ولا معرفة بشيء اسمه اختبار فصلي.. إذ ينتقل الطالب إلى المرحلة المتوسطة وهو لا يعلم أي شيء وغير مدرك بأن الوضع تغيَّر والحال تبدَّل .. فيذهب إلى المرحلة الجديدة وكأنما شيء طارىء عليه، وباعتقاده أن الوضع سوف يستمر، لذلك يفاجأ هناك بالوضع الجديد .. فتبدأ المدرسة بمشروع تمهيدي لتهيئة الطلاب المستجدين وتدريبهم على الامتحانات ومحاولة جعل الطلاب يجتازون المرحلة ولكن بصعوبة ومعاناة حقيقية من قبل إدارة المدرسة والطلاب. إن أسباب عدم نجاح مشروع التقييم و فشله يعود لأسباب عدة: -1 تجربة التقييم تجربة مقتبسة من الخارج، لم يراع فيها طبيعة المجتمع السعودي، من حيث التوزيع الجغرافي والمناطقي، والمؤهلات المكانية كالبيئة التعليمية للتعلم وغيرها. -2 عدم جدية المدرسين في التعليم، حيث أصبح المعلم غير مهتم، فلا حسيب ولا رقيب. -3 شعور الطالب بعدم المحاسبة والمراقبة ففي نهاية السنة ناجح وكل المواد تقييمها (1) أي ممتاز، وبالتالي لا داعي للجد والاجتهاد إلا إذا كانت العائلة مهتمة بذلك. -4 الترهل في التعليم من قبل الطالب وإدارة المدرسة وعدم الالتزام بالمقررات، حيث تنتهي السنة والمقرر لم يكمل المدرس تدريسه للطلاب، وهو ما يجعل الطالب مستخفاً بالمادة. -5 تعوّد الطالب على الراحة وعدم الشعور بالحاجة للمذاكرة الجادة، والاهتمام بأداء الواجبات المدرسية، لأنه في نهاية المطاف ناجح والدرجة (1). -6 التركيز على المقررات من ناحية الشكل والألوان وليس على المحتوى. -7 كثير من الطلاب الذين تخرجوا في الابتدائي.. لا يعرفون كتابة أسمائهم أو القراءة الجيدة.. خصوصاً في ظل التقنيات الحديثة التي أصبحت الشغل الشاغل لأبنائنا ووسائل التجهيل الممنهجة والمصدَّرة لنا، ونحن تلقفناها بصدر رحب وقبول واسع، حيث أصبحت بيوتنا وغرف أبنائنا مملوءة بهذه الأجهزة التي لا تفارقهم سواء قبل المنام أو عند دخول بيوت الخلاء أو في الاجتماعات العائلية.. عندما تسأل الطلاب عن عدم معرفتهم بالقراءة والكتابة الجيدة تجد الجواب بعدم معرفة السبب أو لا أعلم. كنت مع مجموعة من المدرسين وتم طرح الموضوع عليهم وجميعهم اتفقوا معي على هذه الأسباب بعدم نجاح مشروع التقييم.. ولكن بتفاوت، فالمعاناة الحقيقية ستواجهها الأسرة في المستقبل. ولعل إحصائيات دقيقة لرصد الوضع القائم لحال طلاب الابتدائي غير متوفرة، ولكن أؤكد على أن كثيراً من طلاب الابتدائي إلا القليل منهم الذين درسوا في مدارس خاصة أهلية وليست كلها.. أصبحوا في عداد الضحايا نتيجة هذا النظام. إن الوزارة مطالبة بإعادة النظر في نظام التقييم للمرحلة الابتدائية.. وأن يتم تلافي الأخطاء المستقبلية مبكراً أفضل من تأخير ذلك بحجة الإصرار على نجاح النظام، في الوقت الذي انتقد كثير من الباحثين والكتّاب هذا النظام بقوة وتم تقييمه وإثبات عدم منفعته مع العلم أن كثيراً من دول العالم تخلّت عن هذا النظام وألغته نظراً لفشله وعدم نجاعته.. إن إعادة النظام السابق مع تحسينه وإجراء تعديلات بسيطة عليه يعتبر هو الحل المناسب لتجاوز هذا التأخر العلمي لأبنائنا في المرحلة الابتدائية.