أعلن تعليم جدة عزمه على تنفيذ مشروع نظافة بلا عمال، اعتمادا على الطلاب والمعلمين، في 50 مدرسة، بعد نجاح التجربة في مدرستي دار الفكر، ومجمع النور في خطوة اعتبرها هامة، لأنه من شأنها الوصول إلى مدارس نظيفة، وتعكس مظهرا حضاريا جيدا ومناسبا ليكون بيئة مناسبة ومهيأة للدراسة. ولكن ما إن تسرب الخبر من الإدارة حتى سارعت وزارة التربية والتعليم تنفي الخبر جملة وتفصيلا، باعتبار أن الوزارة لديها بنود للنظافة، ولا داعي لتوفير تلك النفقات، ولأن الطلاب والطالبات ليس مطلوبا منهم سوى الدراسة فقط، والوزارة توفر لهم كل ما يريدونه. إلا أن الوزارة صمتت على التجربة التي لم تطبق في هذه السنة الدراسية، ونفذت في مدرستين بالفعل في جدة، وكانت نواة لامتداد الفكرة، وتطورها في أن تصبح عامة. لكن إدارة التعليم بجدة، التي اكتفت بالصمت على تعقيب الوزارة، واصلت تأكيد أهمية الخطوة، وأشارت المصادر فيها إلى أنه تم تدريب عدد من الطلاب على آليات النظافة في المدارس وقد وجد فيها عدد من الطلاب فرصة لكي يساهموا اجتماعيا في مهام تنعكس إيجابا في العملية التعليمية. تطبيق ناجح مدير مدارس دار الفكر الدكتور إبراهيم محمد مناع بين أن الهدف من مشروع النظافة تعويد الطلاب على الانتظام والمحافظة على النظافة بتقنية وأداء سريع، وكذلك تعويدهم على العمل بروح المجموعة الواحدة: «تم تدريب الطلاب من قِبل مختصين على أساليب النظافة وبشكل سريع، وكانت مدة الدورة شهرين، والمشروع طبق العام الماضي في فصل دراسي واحد وهو الصف الثالث الابتدائي، ولقي نجاحا باهرا، وسوف يطبق هذه السنة على طلاب المرحلة الابتدائية فقط، وعددهم يصل إلى 150 طالبا، بينما عدد المعلمين 30 معلما، وسوف يكون هناك تقييم للمدارس المطبق فيها هذا المشروع من قِبل الجهات الإشرافية عليه». لماذا الفكرة؟ وبين مناع أن «سبب تطبيق الفكرة في المرحلة الابتدائية لكونها تعد أهم مرحلة، وهي الأساس والتكوين لدى الطلاب، وعندما ينتقل الطالب إلى المراحل الأعلى يكون تأسيس الطلاب جيدا، كما أن المشاركة في هذا المشروع وهم صغار السن له مردود إيجابي كبير على الطالب وعلى أسرته والمجتمع أيضا». بعيدا عن الحمامات وأوضح أن: «المشروع عبارة عن تنظيف الطلاب لفصولهم الدراسية بشكل منظم فيما بينهم، وكذلك قيامهم بتنظيف فناء المدرسة فقط، وتخصيص آخر عشر دقائق من الحصة الأخيرة للنظافة، أما ما يتعلق بنظافة دورات المياه فهي من اختصاص عمال المدرسة الذين لا غنى عنهم في الأيام الحالية، ولكن إذا نجحت الفكرة فسيكون هناك استغناء عن كثير من العمال، لأننا نتعامل مع بعض الشركات لتوفير عمال النظافة». ووصف ردة فعل أولياء الأمور بالجيدة: «بل إنهم قالوا إن عادات وسلوكيات أبنائهم تغيرت كثيرا عن السابق، فإذا تعود الطالب على نظافة الفصل فسوف يتعود على النظافة خارجه، ومع ذلك نرحب بحوار المعترضين من أولياء الأمور على هذه الفكرة». لا حرج ونفى مناع أن يكون هناك أي حرج من الطلاب تجاه القيام بأعمال النظافة، أو أن يكون هناك أي سلبيات للفكرة: «لا توجد أي سلبيات لهذه الفكرة، بل على العكس تماما، نجعل الطلاب مشاركين ومتعاونين ومتفاعلين ونحول الفكرة إلى متعة حقيقية تنبع من الطلاب أنفسهم، ونقنعهم بأنهم اللاعبون الأساسيون في هذا المشروع». فكرة ناجحة ولا تقتصر رؤية النجاح على مدير المدرسة، بل تمتد إلى الطاقم التربوي في المدرسة، بل يعتقد بعضهم أنه يجب أن تستمر الفكرة لمدى أبعد من هذه التجربة، حسب رأي معلم بمدارس الفكر إبراهيم هلالي: «لضمان استمرار التجربة، لا بد أن يكون هناك متابعة من كل شخص معني بهذا المشروع، سواء كان طالبا أو معلما أو حتى الأسرة، لأنه إذا لم تجد هذه الفكرة متابعة فسوف يكون حتما مصيرها الفشل، وأعتقد أن طلاب المرحلة الابتدائية يتقبلون أي فكرة، بل نعتقد أنهم أفضل من يطبق هذه التجربة». كما يعد المعلم بمدارس الفكر عبدالرحمن الحداد أن ما يراه شيئا مبهرا وجميلا: «والأجمل من ذلك هو أن تطبق الفكرة في جميع المدارس، وأشعر أن الطلاب بدؤوا يشعرون بأنه يغرس في سلوكياتهم حب النظافة، وبدؤوا يهتمون بها كثيرا عما كان سابقا، ونحن متفائلون بالقادم بإذن الله». بداية تدريجية ولا يختلف واقع التفاؤل، من مدرسة الفكر إلى مجمع النور الذي هو الآخر طبق الفكرة، وواصل تطبيقها في هذه السنة الدراسية، حيث يشرح مدير القسم الابتدائي بالمجمع خالد بن أحمد بخيت الفكرة التي بدأ تطبيقها العام الماضي على طلاب الصف الثاني الابتدائي: «نشعر أنها لاقت نجاحا كبيرا، وبدأنا بتطبيقها هذه السنة على كامل طلاب المرحلة الابتدائية الذين يبلغ عددهم 700 طالب، فيما عدد المعلمين 40 معلما، والهدف من البرنامج اعتماد الطالب على نفسه، والمحافظة على فصله ومدرسته، وعملية النظافة بدأت تدريجيا، بحيث ينظف الطالب فصله أولا، ثم الانتقال إلى نظافة فناء المدرسة، ثم تمتد إلى جميع مرافق المدرسة، عدا دورات المياه، التي تعد من اختصاص عمال المدرسة، وكذلك نظافة مكاتب الإدارة والمعلمين، وفي نظري أن هذا المشروع وضع للتخلص من العمالة، أو تقليص عددهم، فنحن نعاني عدم توفر العمال، وإذا توفروا فلا يستمروا إلى نهاية السنة الدراسية». وأوضح بخيت أن البرنامج يطبق في فترة الفسحة وكذلك قبيل نهاية الدوام، بحيث يصطف الطلاب أثناء الانصراف، ويرمون الأوساخ في الأماكن المخصصة لها، أما في الفصل فيقوم الطالب بتحريك الطاولات وتنظيفها وتنظيف الفصل أيضا، مركزا على ضرورة التعاون بين المدرسة والمنزل: «نتلقى اتصالات كثيرة من بعض أولياء الأمور يشيدون بالفكرة، بل ينقلون لنا كيف أصبح الطالب ينتقد إخوانه الصغار في المنزل، على عدم النظافة ويحثهم على النظافة ويرغبهم فيها». اعتماد على النفس ويشيد وكيل القسم الابتدائي بمجمع النور صالح الغامدي بالفكرة: «الطالب تعود دائما أن يقوم الأشخاص من حوله بخدمته، سواء في المدرسة أو في المنزل، والفكرة المطبقة نقلتهم من الاعتماد على الغير، إلى الاعتماد على النفس، بل يشعرون بمتعة حقيقية في ذلك، ولا أعتقد أننا شعرنا بوجود أي سلبيات في هذا المشروع، بل وجد تجاوبا كبيرا من جميع الأطراف المعنية، وخاطبنا أولياء الأمور وأوضحنا لهم فكرة المشروع، كما وضعنا المنشورات التوعوية، ونشرناها في مواقع متفرقة من المدرسة، بالإضافة إلى عقد دورات للطلاب لتعليمهم على ماهية النظافة دون أي اتساخ، بحيث لا يعود الطالب إلى منزله، متسخ الثياب، فهناك مواد مساعدة للنظافة يستخدمها الطالب أثناء النظافة بحيث لا يتعرض للاتساخ». محاضرات إرشادية وفي مدارس الثغر، وصف مدرس التربية الإسلامية محمد عطوان المحاضرات الإرشادية التي سبقت تطبيق الفكرة، بأنه كان لها أثر بالغ لدى الطلاب في تقبل الفكرة وتطبيقها: «الفكرة في نظري ناجحة بكل المقاييس، لأن النظافة مرآة لحياة المسلمين، والإسلام يحثنا على النظافة، اتباعا لنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله «النظافة من الإيمان» كما أنها لها دور في تعزيز سلوكيات الطلاب، حيث ينظفون فصولهم وكذلك فناء المدرسة والمطعم أيضا، ولا أعتقد أن في ذلك حرجا أو أي حساسية تجاه الموضوع، الذي يجب أن نتناوله على أنه إرشاد سلوكي، وليس عقابيا، أو تخليا عن المسؤولية». ليس جديدا من جانب آخر شدد نائب مدير تعليم البنات بجدة أحمد الحريري على أن نظافة المدرسة جزء من الأنشطة المدرسية، حيث تشكل كل مدرسة فرقا للنظافة، وهناك لجان وجماعات تعنى بهذا الأمر: «موضوع النظافة ليس بالجديد على الطالبات، فهن تلقائيا معنيات بالنظافة، سواء في منازلهن أو في المدرسة، ولا نحتاج إلى تعليمهن، لأنه يعد جزءا من حياتهن، وهناك مسابقة تسمى مدرستي بيتي، بين المدارس للمحافظة على كل التجهيزات في المدارس، ومن ضمنها المحافظة على نظافة المدرسة، وتزور مجموعة من المشرفات المدارس لوضع التقييم». مدرسة بلا عاملات وكشف الحريري أن أحد مكاتب التربية والتعليم للبنات بجدة، وضع شعارا لمدارسه وهو مدرسة بلا عاملات: «هذا قبل أن تطبق فكرة المشروع الجديد، الذي ننتظر التبليغ عنه، كما أن هناك مبادرات لبعض المدارس بشأن النظافة، ودائما ما تنجح تلك المبادرات، والنظافة جزء من منهج المدرسة، وليست فقط فعاليات تستمر لفترة وتتوقف بل ينبغي أن تكون مستمرة دائما» .