قصور في إعداد معلم المرحلة الابتدائية د. عبدالعزيز بن سعود العمر المرحلة الابتدائية هي نقطة البداية التعليمية الصحيحة لتأسيس القيم الأخلاقية الرفيعة، وتعزيز الهوية، وتشكيل السلوكيات الإيجابية، وبناء العادات العقلية السليمة، وبدء ممارسة أسس التفكير العقلاني، وبناء ثروة مناسبة من المفردات اللغوية. إنَّ تعليماً يتجاهل التأسيس المبكر لهذه المكاسب التعليمية والتربوية الثمينة سيترك أثره السلبي حتماً على أي تعليم لاحق، وسيكون عبئاً على التنمية الوطنية بكل صورها. ونظراً إلى أن معلم المرحلة الابتدائية يشكل حجر زاوية التعليم، فإن تطوير برنامج إعداد هذا المعلم يصبح عندئذ مطلباً وطنياً كبيراً. أود أن أشير فيما يلي إلى بعض السلبيات المتعلقة بإعداد معلم الابتدائية، دون الدخول في التفاصيل الفنية: * لا يتم تعريف الطلاب - معلمي المستقبل - بالأسس الفلسفية للقضايا التربوية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بطبيعة المتعلم، وبجوهر عملية التعليم نفسها، وبطبيعة المعرفة الإنسانية، وبطبيعة العقل وأنماط التفكير الإنساني. لقد أصبح مطلوباً من برنامج إعداد المعلم الارتقاء بفكر الطالب التربوي لكي ينظر إلى القضايا الإنسانية عموماً والقضايا التربوية خصوصاً من زوايا وأبعاد فكرية مختلفة؛ ليبني لنفسه رؤية تربوية شاملة ومتماسكة. إنَّ جهل المعلمين بجوهر قضايا التربية وبالرؤى المختلفة التي تطرحها المدارس الفكرية التربوية حيال تلك القضايا هو الذي جعلهم يؤدون مهامهم التربوية بصورة ميكانيكية مفرغة من أي تصورات ذهنية عميقة لحقيقة العمل التربوي ولطبيعة تحدياته المستقبلية. * البرنامج يقدم المقررات الدراسية، وخصوصاً المقررات التربوية، بصورة نمطية تقليدية لا تضع الطالب - معلم المستقبل - أمام أي نوع من التحدي الذهني أو المهني، ومما أسهم في حدوث ذلك الضعف: عدم خضوع اختيار الكوادر التدريسية الجامعية لمعايير نوعية، وتواضع فرص تطوير الأداء المهني لتلك الكوادر، وبقاء المقررات الدراسية لفترة طويلة دون تقييم حقيقي لمضمونها ولطرق تقديمها. * برنامج إعداد المعلم يقدم نظامنا التعليمي للطالب على أنه نظام مثالي لا يعتوره النقص والضعف، فالطالب يتخرج من الكلية دون أن يعرف حقيقة جوانب الضعف التي تهدد نظامنا التعليمي، ودون أن يدرك دوره المحوري في إصلاحه وتطويره. * يتخرج معلم المرحلة الابتدائية وهو يجهل جوانب تربوية تطبيقية مهمة، ومنها: الأصول الفنية والعلمية لبناء اختبار عالي الجودة، ومبادئ التخطيط والإعداد للدروس، وأساليب إدارة الصف، والأساليب الإحصائية الحاسوبية الشهيرة لمعالجة البحوث التربوية، واقتصاديات التربية. أي أن مضمون المقررات التربوية الحالية ضعيف الصلة بالتحديات المهنية التي سوف يواجهها المعلم مستقبلاً داخل الفصل وخارجه. إن عناوين بعض المقررات التربوية تبدو جيدة وبراقة، لكن محتواها يطغى عليه التنظير التقليدي البعيد عن مستجدات التربية. * لا توجد حالياً آليات وإجراءات محددة يتم في ضوئها مراجعة وتقويم برنامج إعداد معلم الابتدائية دورياً وفقاً لمعايير مهنية عالية ومحددة. في ظني أن الحراك التربوي الأكاديمي في مجال تطوير برنامج إعداد معلم الابتدائي لا يزال بطيئاً، إن لم يكن متوقفاً. * برنامج إعداد معلم المرحلة الابتدائية الحالي يسمح بتخريج معلمين بتقدير مقبول، وسأترك لفطنتك - عزيزي القارئ - تخيل حال نظام تعليمي عموده الفقري معلمون كثير منهم ليس لديهم العمق الكافي من المعرفة العلمية وأساليب توصيلها للطلاب. * لا يوجد أي تناغم وتواصل حقيقي بين برنامج إعداد معلم المرحلة الابتدائية من جهة وقطاع التعليم العام من جهة أخرى. في مثل تلك الظروف يصبح برنامج إعداد معلم المرحلة الابتدائية عديم الفاعلية. قد لا يتصور البعض أن خريج كلية المعلمين يمكن أن يحل معادلة تفاضلية معقدة، ولكنه قد يفشل في حساب المضاعف المشترك الأصغر لمجموعة من الأعداد. أضف إلى ذلك أن بعض قيادات برنامج إعداد المعلم وبعض أعضاء هيئة التدريس يجهلون إلى حد كبير طبيعة العمل المدرسي وتحدياته.