كان الناس يذهبون إلى النوم بعد صلاة العشاء مباشرة؛ لم يكن ثمة ما يستدعي السهر أو الدوران بلا هدف أو غاية. العشاق وحدهم كانوا هم الحفيون بالقمر والنجوم، ومواعدة القصائد خلف أعمدة ومواسير الخليل غفر الله له، ولذلك مارسوا السهر مع طيف الحبيبات، ولكن على (لاش). من يطلب من الشباب اليوم أن يناموا مبكراً مع كل هذه المغريات عليه أن يعود بالزمن إلى الوراء أولاً إن كان جاداً في طلبه؛ الست أم كلثوم صرخت ذات ليلة يعربية فانية: (قول للزمان ارجع يا زمان) وحينما لم يعد استرجعت وهي تكاد تبكي (فات الميعاد) أي والله يا ست الستات فات، ولا عزاء للعشاق، ولا للقمر المدور في سمائنا، ولا لمن يطلب من الشباب أن يناموا بعد صلاة العشاء. على ذكر الدوران والتدوير يقولون إن كل شيء قابل للتدوير في هذا العصر بما في ذلك النفايات أجلكم الله؛ شيء واحد يستعصي على التدوير وهو المناصب مع أن أغلب أصحابها يعانون من كروش مدورة ومستديرة، ولكن ثابتة لا تذهب ولا تتزحزح إلا في النادر القليل!! التدوير إحدى لغات العصر الأخاذة مثل التميز والإنجاز والتطوير، ولكن هذه اللغة لا وجود لها في بعض إداراتنا الحكومية كما يبدو؛ بعد أن تحول أغلبها إلى ما يشبه المستعمرات الأسرية للمديرين ومن (يعز عليهم) وما أسوأهم وأكثرهم وأكسلهم في كل مستعمرة أو (مستخربة) إدارية لا فرق!!. العسكريون أيضاً لهم نصيب من الدوران ولكن على طريقتهم؛ فهم يقضون جل وقتهم بين الدوران يميناً ويساراً وخلفاً، وحينما يتقاعدون يستدير المرتب بوجهه الصادم، ويتضح لهم أن أكثر من نصفه بدلات تسقط مع التقاعد، وكم أتمنى أن نرحم هؤلاء ونشكرهم كما يستحقون، وكما يليق بهم وبنا.