حفر الباطن – مساعد الدهمشي عبدالله الحبلاني: لا بديل عن غرس ثقافة طاعة الوالدين. مشعل المطيري: العاق لوالديه يعيش حيرة وتشتتاً في كل حياته. خلود العنزي: إشكالية العقوق يشارك في صُنعها الآباء والأمهات. غياب التكامل بين مؤسسات المجتمع يُضعِف سلطة الأسرة. الرقيطي: 90% من المَجنيّ عليهم.. آباء و10% أمهات. تكشف ظاهرة العقوق عن خلل في نسيج المجتمع، يتطلب نظرة أعمق من قِبل جميع الأطراف المشاركة في صنعها. كما تتطلب مراجعة عميقة من قِبل المؤسسات التي تشارك الأسرة في التنشئة، فمن دون التكامل في الأدوار تبدو «خلطة التنشئة» مَعيبة، وتنتابها إشكاليات تعيق تحقيقها الهدف منها. وتشير الإحصائيات إلى تنامي ظاهرة عقوق الأبناء آباءهم بأكثر من نمط. فبين عاق يمارس عقوقه تحت تأثير خلل نفسي أو عقلي، وبين عاق استمرأ عقوقه في غياب الوازع الديني والخلل القيمي. ولا تبدو الصورة قاتمة كلياً، لكنها مثيرة للقلق، وتدعو لمعالجة متخصصة ونظرة شمولية. رفض مجتمعي للعقوق العنف ينشأ في الأسرة ويتضخم في غياب الدور المجتمعي (الشرق) يعتبر عبدالله غالي الحبلاني، معلم، عقوق الوالدين خطراً كبيراً يتطلب جهداً ممنهجاً على مستويات متعددة لغرس ثقافة طاعة الوالدين في الإنسان منذ بداية مراحل تعليمه، ووصولاً إلى مرحلة الوعي الفكري التام. ويرى سليمان عبدالعزيز أن قضايا العقوق قد يكون سببها بعض القنوات التليفزيونية. ووصفت مها عبدالله من يعق والديه بالمجرم القاتل، مؤكدة أن الشرع كفيل بأخذ حق والديه منه. وأرجعت هدى القاسم انتشار قضايا عقوق الوالدين إلى تعامل الوالدين الخاطئ أو نشأة الابن غير الصحيحة، وتستطرد مفسرة فتقول بمعنى أنه لو قلنا إن الوالدين إن تكفلا بنشأة ابنهما وفق أسس من الاحترام والتقييد بالقيم والدين والعرف، ومنعاه من مخالطة أصدقاء السوء، لتجنبا هذا المصير. وقالت إن هذه القضايا هي بلا شك منبوذة في المجتمع السعودي. ونوه مشعل المطيري إلى أن من يقوم بمثل هذه الأعمال المشينة تجاه والديه يعيش حالة من الحيرة والتشتت في كل أمور حياته، إلى أن تزهق روحه إلى الله. ويرجح خلف الشمري قول مشعل، مبيناً أن هناك أسباباً لهذه الظاهرة، تتطلب إيجاد حل جذري لها، ووضع كل من يقوم بعقوق والديه تحت مجهر الطب النفسي والقضاء لعلاجه من هذا الخطر أو بزجه في السجن عقاباً على عقوقه والديه. ويرى فيصل العنزي أن معظم المراكز الصيفية والفعاليات المدرسية كان لها دور مؤثر وبارز في معالجة قضية عقوق الوالدين، من خلال طرح عديد من العروض المسرحية والفيديو المؤثرة. وقال نسعى كأولياء أمور للطلاب إلى تنشئتهم التنشئة السليمة الخالية من الشوائب. ويستطرد قائلا «نشد على يد إدارة التربية والتعليم لتكثيف هذا الجانب كونه جانباً مهماً»، مبيناً أن هناك عروضاً قدمتها المراكز الصيفية والفعاليات المدرسية ونالت استحسان الطلاب وأولياء الأمور. سلوك منبوذ ومُحرَّم ووصفت اختصاصية العلاج النفسي والسلوكي خلود العنزي العنف ضد الوالدين، أو ما يعرف إسلامياً بالعقوق، بأنه سلوك منبوذ ومُحرَّم في الديانات السماوية كافة، وليس له ما يبرره مهما كانت الأسباب. وقالت إن انتشار هذا العنف ينم، مع الأسف، عن تراجع في الالتزام بتعاليم الدين والقيم الإنسانية في المجتمع. وأضافت قائلة «علينا إن أردنا البحث في هذه أسباب هذه الظاهرة، أن نفرق بين العنف كمشكلة أساسية أو ثانوية، كأن يكون الذي يعنف والديه غير واعٍ لسلوكه إما بسبب مرض خارج عن إرادته أو لتناوله مذهبات العقل». وتقول «حين نتناول الموضوع باعتباره مرضاً نفسياً شديداً لدى الابن، فالأدلة الدينية تنص على عدم تكليف المريض النفسي والعقلي بما لا يستوعبه عقله، وهذه رحمة من الله. وبالنسبة للوالدين اللذين ابتليا بابن مريض، فعليهما أن لا يتأثرا كثيراً بسلوك ابنهما ضدهما بقدر ما يهتمان بأن لا يؤذي نفسه». تأثير مذهبات العقل أما تناول مذهبات العقل، والحديث مازال لخلود العنزي، فإنه يعد بداية انتشار العنف البدني ضد الوالدين، وهو أشد أنواع العنف. وفي كلتا الحالتين، تحتاج الحالة إلى العلاج أولاً، أما أن يتعرض الوالدين للعنف كمشكلة أساسية، أي حين يمارس الابن عقوقه دون أن يكون فاقداً للوعي، وبكامل إرادته، فالأمر يختلف. وتقول العنزي، قبل أن نعرج على استعراض الأسباب، يجب أولاً أن نفهم أن بر الوالدين موضوع حساس جداً لا يمكن خدشه. وتصنف العنف ضد الوالدين إلى ثلاثة أنواع لكل منها تأثيره، وجميعها مرفوضة ممارستها، ويشمل ذلك العنف البدني، ويقصد به إلحاق الضرر الجسدي بالوالدين سواء كان جسيماً أو طفيفاً، والعنف اللفظي، وهو نمط زاد انتشاره بشكل كبير تحت مظلة حضارية زائفة، والعنف المعنوي وهو ما يغفل بعضنا عنه، ويتمثل في تهميش الوالدين ومحاولة إقصائهما وعدم الاهتمام بوجودهما. وتضيف قائلة «أياً ما يكن نوع العنف، فإن الشخص الذي يمارسه ضد والديه مُدان في جميع الحالات». أسباب العقوق وعن أسباب العقوق، فتلفت العنزي إلى أسلوب التربية، حيث تشير إلى أن من أهم أساليب التربية التي تفرز مردوداً بالعقوق، التدليل الزائد والعنف، وعدم الوعي لدى الأبناء بأهمية البر حتى وإن كان الوالدان قد قصَّرا في حقهم، والبحث عن الاستقلالية والوقوف ضد أي شيء يعترض تحققها، والتأثر ببعض النظريات الحديثة بشكل خاطئ، التي منها على سبيل المثال أن تتعامل الأم مع ابنتها كما لو كانت صديقة لها، فتتعامل الفتاة مع والدتها دون أدنى حد من الاحترام. ومنها أيضاً محاولة الوالدين التحكم في أبنائهم دون منحهم حرية الاختيار، ما يحرضهم على التمرد. رؤية لاحتواء الظاهرة وتدعو العنزي الآباء والأمهات إلى تعلم أساليب التربية الصحيحة ليتمكنوا من تنشئتهم بشكل أفضل، لافتة إلى أهمية تعظيم بر الوالدين في المدارس بصورة غير تقليدية تستفيد من وسائل التقنية الحديثة، مع تجنب التلقين. وقالت نحن بحاجة إلى غرس مبادئ لا تبور. وتؤكد أنه لا يوجد ما يمنع الأبناء من البحث عن الاستقلالية، ولكن دون تهميش للوالدين، وبما لا يوجِد صداماً فيما بينهم. ونصحت الأبناء بالتحلي بالصبر في بعض الأمور، وقالت إن على الأبناء أن يتذكروا، مهما كانت الإساءة التي عانوها من الوالدين أو العنف الذي لقوه، أنه ليس من حقهم محاسبتهم، بل إن الله هو من سيحاسبهم. كما دعت الآباء إلى إعطاء أبنائهم الفرصة للتعبير عن حاجاتهم دون رفض مسبق. مطالبة بإعادة هيكلة الصورة النمطية للوالدين. فبغض النظر عن أهمية الأشياء المادية التي يقدمونها لأبنائهم، على الأبناء أن يتعرفوا على عمق الحاجات النفسية التي يقدمها لهم آباؤهم، فغالباً ما يغير الوالدان كثيراً في حياتهما حتى يوفرا لأبنائهما البيئة المناسبة ويقدما كثيراً من التنازلات دون وعي من الأبناء، ثم يُصدَمان بانتقاد أبنائهما لهما، ورغم ذلك يعتقدان أن المشكلة فيهما ويبحثان عن الحلول، لكن قليلاً منا من يعطي الموضوع حقه متجاهلاً النظر من كافة الجهات. ماذا تقول الإحصائيات؟ من جانبه، أوضح الناطق الإعلامي باسم شرطة المنطقة الشرقية المقدم زياد بن عبدالوهاب الرقيطي، أن قضايا عقوق الوالدين شهدت تفاوتاً في معدلاتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وقال إن نسبة هذا النوع من القضايا تبلغ 6% من إجمالي قضايا الاعتداء على النفس، فيما تقل نسبتها عن 1% من إجمالي القضايا المسجلة في المنطقة الشرقية. وأشار إلى أن معظم المجني عليهم من الذكور (آباء) وتمثل نسبتهم 90%، فيما تصل نسبة قضايا العقوق التي تستهدف الأمهات إلى 10%، مؤكداً أن هذه السلوكيات وتلك القضايا مستمرة، وترجع أسباب ارتكابها في الغالب إلى ضعف الوازع الديني والتفكك الأسري الذي تعيشه بعض الأسر، وضعف الرقابة المنزلية على الأبناء منذ طفولتهم، بسبب انشغال الوالدين لفترات طويلة عن المنزل، إضافة إلى انتشار القنوات الفضائية غير الهادفة التي لها أثر سلبي في إضعاف الروابط الاجتماعية. وقال من المؤسف أننا نشهد مثل تلك الحالات الشاذة في مجتمعنا الذي يحرص على أهمية الرفق بالوالدين والاعتناء بهما وطاعتهما والعمل على توفير الراحة والطمأنينة لهما.