ذهبت في أحد الأيام لمراجعة مستشفى حكومي وما أن دخلت صالة انتظار النساء حتى وجدت المكان ممتلئا عن آخره بالمراجعات وأطفالهن الصغار. ولم أجد مقعداً أستطيع الجلوس عليه فبقيت واقفة لربع ساعة بينما الكثير من المقاعد يشغلها الأطفال، بل أن إحداهن قررت أن تستأثر بمقعدين لتجعل الثاني سريرا لطفلتها! وبينما كنت أنظر لما يحدث بامتعاض شديد دخلت عجوز برفقة خادمتها، وكان يبدو عليها الإرهاق الشديد، ولم تتحرك سيدة لتفسح المجال لها للجلوس. ثم تدخلت سيدة مصرية وطلبت من ابنتها الوقوف بجانب الباب وأقعدت تلك المسنة على الكرسي المجاور لها. وقد أثار موقف السيدة المصرية إعجابي بشكل شديد. أما المراجعات الباقيات فكن ينظرن لما يحدث بلامبالاة وكن مستغرقات في أحاديثهن الجانبية مع بعضهن البعض أو يثرثرن بهواتفهن النقالة. هذه الحادثة في صالة الانتظار ذكرتني بطفولتي وكيف كنا نعامل كبار السن بكل إجلال وتقدير. كان لكبار السن في صغري الأولوية في كل شيء. فقد كانت تفرد لهم صدور المجالس ولا ينبس صغير ببنت شفه في حضرة الكبار. بل كنا لا نستطيع تناول الطعام قبل أن يتناوله الكبار. حتى في الطرقات كنا نفسح لهم للمرور، ونكاد نلتصق بالجدار حينما يمر أحد المسنين، وكنا نناديهم يا عم أو خال حتى أنني كنت أنادي الإماء السابقات لعائلة أمي بأمي منيرة وأمي سوير. وقد تغير الحال فبعض العائلات لا تجد حرجا في أن ينادي أطفالها كبار السن بأسمائهم المجردة ولا ترى غضاضة في مجالستهم لكبار السن وقطع أحاديثهم وربما السخرية منهم ومن ذكرياتهم. وإني لأتساءل: هل بدأت تلك التقاليد والقيم الجميلة في الانقراض إلى غير رجعة بسبب المدنية الحديثة والتربية السيئة التي تنسى تعليم الصغار توقير الكبار واحترمهم؟