نتكلم كثيراً عن ذاكرة التليفزيون وبرامجه القديمة التي لا تنسى؛ لكن ماذا عن رائحة التليفزيون؟ ماذا لو أصبح لكل مشهد تعرضه الشاشة في أي مكان رائحته الخاصة أيضاً؟ كيف سنتابع وهل سنستمر في المتابعة؟ أم أننا سنقتصر على الغابات والحدائق ونهجر نشرات الأخبار والمسلسلات إلى الأبد؟! أحلام اليوم هي حقائق الغد، وكثير من الخيال البشري الذي كان يوصف بالجنون تحول مع الأيام إلى حقائق ثابتة لا غنى عنها أبداً، ومن يدري فقد يصبح لكل مشهد رائحته الطبيعية التي تصل إليك بضغطة زر!! تخيلوا أن التليفزيون الذي يبث ملايين المشاهد اليومية؛ أضاف إلى كل مشهد رائحته الحقيقية كما هي، وأن الجثث المتعفنة على امتداد بلاد العرب يمكن شمها بمجرد ظهورها على الشاشة؛ أي عذاب كنا سنعيشه؟ وكيف ستتبدل مشاعرنا تجاه كل المجرمين والقتلة في هذا العالم الدموي؟! ماذا لو وصلت إليك رائحة الراقصة التي تتلوى أمام الملايين؟ والممثل الوسيم الذي قد تجبره ظروف التصوير على تأخير وقت الاستحمام لبعض الوقت؟ هل ستواصل المتابعة أم أنك ستقرر الاكتفاء بالراديو؟! لاشك أن ملايين المشاهدين سيغيرون رأيهم في كثير من النجوم والمشاهير والمسلسلات، وستصبح حاسة الشم مسألة فاصلة في اختيارهم لنوعية القناة؛ أما النظافة الشخصية فستصبح أولاً والموهبة ثانياً بكل تأكيد!! ماذا لو فتح السيد أوباما التليفزيون في البيت الأبيض وتسربت إليه رائحة كيماوي بشار؟ هل سيشعر بخطورة الأمر ويغير موقفه المتساهل مع هذا السفاح؟ أم أنه سيضع الكمامات الواقية كما في كل مرة؟ وينتقل لمتابعة حدث أجمل وبرائحة مأمونة؟!! هذه صور خيالية، ولكنها تختصر لنا كثيراً من الوهم الذي نعيشه، خصوصاً مع الصور الفاتنة التي نراها على الشاشة ونعتقد أنها كاملة الجمال مع أن الواقع قد يكون العكس؛ من رحمة الله بنا أننا نشاهد ونسمع فقط ما على الشاشة، ولا نشمه وإلا لكانت كارثة!!