الدمام – أسامة المصري معارك وقصف للطيران يومياً.. والأهالي بين الدمار والجوع. الأطفال بلا مدارس أو رعاية.. وجميع مستلزمات الحياة مفقودة. يتعرَّض جبل الأكراد في محافظة اللاذقية لقصف يومي من قِبل قوات الأسد، إثر تحريره من قبضة النظام وسيطرة الجيش الحر على مناطق واسعة في جبلي الأكراد والتركمان منذ يونيو 2012، وقالت الناشطة جيهان الحاج بكري إن هذه المناطق كان يقطنها قبل الثورة حوالي 140 ألف نسمة يتوزعون على ما يقارب ستين قرية، ونتيجة القصف اليومي والمعارك التي لا تهدأ بين الطرفين فقد غادرها أكثر من 90 ألف نسمة، بينما فرغت قرى بأكملها من السكان ولا يوجد فيها سوى المقاتلين وبعض العائلات غير القادرة على النزوح بسبب عدم الإمكانية، وأخرى مازالت تصرُّ على التمسك بالأرض ومواجهة النظام. نزوح الأهالي وأوضحت الناشطة أن حلم الثورة لدى سكان هذه المناطق انقلب إلى مأساة يومية يعيشها الأطفال والنساء، مع هموم الحرب وما تخلفه من مآسٍ وظلم يعاني منه الأهالي في قرى جبلي الأكراد والتركمان المتجاورين، وأضافت أن قرى بأكملها تهدمت، مما اضطر الأهالي إلى النزوح عنها وتشرَّدوا في مناطق أخرى ومخيمات، منها في تركيا، وبعضها يقيم في شعاب الجبال، ويفتقد هؤلاء لأبسط وسائل الحياة، وأشارت إلى أن بلدة مصيف سلمى التي كان يقطنها حوالي 60 ألف نسمة فرغت بشكل كامل من سكانها، ولا يوجد فيها سوى المقاتلين، وكذلك قرية كفر دلبة التي يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة آلاف نسمة. وتضيف الناشطة أنه مع بداية الثورة كان شباب هذه القرى يذهبون إلى مدينة اللاذقية وينضمون إلى متظاهري المدينة، إلا أن القمع الوحشي الذي تعرَّض له المتظاهرون هناك والقضاء على حركة التظاهرات عبر الاعتقالات والقتل دفع بعديد من الشباب من المدينة وريفها إلى الخروج إلى قرى وبلدات جبلي التركمان والأكراد كمصيف سلمى لحمل السلاح وتشكيل نواة المجموعات المقاتلة مع الضباط الذين انشقوا عن جيش الأسد في سبتمبر من عام 2011. قرى علوية وتقول الناشطة إنه يوجد في جبل الأكراد بعض القرى العلوية التي كانت تربطها علاقات جوار مع القرى الأخرى، وتعيش حياة سلام عبر مئات السنين استخدمها النظام كمناطق لموضعة قواته وقصف القرى الأخرى منها، كقرية «أوبين» و«أنباتة» و«الصلنفة» و«قمة النبي يونس»، وهي أعلى قمة في جبال الساحل، موضحة أن النظام يستخدم سكان هذه القرى كدروع بشرية، حيث وضع دباباته ومدافعه وراجمات صواريخه بين الأزقة وطرقات هذه القرى، وهذا ما يحرم الجيش الحر من إمكانية قصفها والرد على مصادر النيران، إلا أن الناشطة نوَّهت بأنه في بعض الأحيان يضطر الجيش الحر للرد على مصادر هذه النيران، ولا يعرف إن كان يسقط ضحايا بين المدنيين لصعوبة ذلك. وأوضحت الناشطة أن النظام جند عديداً من شباب هذه القرى فيما يسمى جيش الدفاع الوطني لمواجهة الثورة، وأحدث شرخاً بين سكان هذه المناطق على أساس طائفي عبر بث الإشائعات بأن الثورة يقودها أصوليون متشددون يريدون قتل العلويين، وهذا ما دفع بعديد من الشباب العلوي للانخراط في صفوف الشبيحة التي تحولت إلى جيش الدفاع الوطني. مخيم بلا رعاية وتشير الناشطة إلى مخيم يقع قرب الحدود التركية يسكنه حوالي 1500 شخص معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن أتوا من عدة مناطق في ريف إدلب الغربي بحثاً عن أمان مفقود في مناطقهم، لكن دون أن يحظوا بالأمان لأن طيران الأسد وصواريخه تطال هذا المخيم الصغير، وكثيراً ما نشبت الحرائق بسبب القصف، وتقول الناشطة إن المخيم الذي يقع بالقرب من قرية «الليمضية» بُني بمساعدة الجيش الحر الذي قدم بعض الخيام والمساعدات في ظل غياب أي نشاط للمنظمات الإغاثية، في حين مازال آخرون يسكنون خياماً صنعوها من القش، التي لا تقي من حر أو برد أو الأمطار التي بدأت تباشيرها هذا العام. ظروف قاسية وتضيف الناشطة أن معظم سكان جبل التركمان في القرى والمخيم يعتمدون على الحطب الذي يجمعونه أو يقطعونه من الأشجار لتأمين الخبز الذي تخبزه النساء على «الصاج» و«التنور» الذي أعيد ترميم القديم منه، كما يعتمد السكان في الطهي على مواقد الحطب الذي يجمعونه من الأشجار الجافة، كما انتشرت ظاهرة قطع الأشجار من الأحراش القريبة بسبب فقدان المحروقات بشكل كامل والكهرباء التي لم تعد متوفرة منذ أن أعلن النظام الحصار على هذه المناطق. فيما يسير الأهالي مسافات طويلة للحصول على مياه الشرب، معتمدين على أساليب بدائية لنقلها بما يتوفر لهم من أوانٍ، ومعظم الحاجات الإنسانية غير متوفرة، خاصة حليب الأطفال والأدوية الضرورية، وهناك خشية من انتشار بعض الأمراض المُعدية بسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب في أماكن عديدة. زراعة متوقفة وتقول الحاج بكري أن النشاط الزراعي شبه متوقف بسبب استمرار القصف بشكل يومي، وخاصة من قِبل الطائرات المروحية التي تلقي بالبراميل المتفجرة، والتي تسبب أذى كبيراً في التدمير وتشعل الحرائق في الأشجار المثمرة والأحراج التي في أحيان كثيرة يستغرق الأهالي والجيش الحر وقتاً طويلاً للسيطرة عليها، كما أن الأهالي خسروا محاصيلهم الزراعية التي في معظمها فواكه وأشجار مثمرة، بالإضافة إلى أشجار الزيتون، حيث لا يتمكنون من الوصول إليها بسبب القصف اليومي، وتضيف الناشطة أن النظام يتبع سياسة الأرض المحروقة لإضعاف الروح المعنوية ولإجبارهم إما على الرحيل أو الاستسلام الذي قد يؤدي للإبادة والمذابح كما حصل في مناطق عديدة في سوريا. أطفال بلا دراسة أما عن الدراسة والمدارس في هذه المناطق، فتقول الناشطة التي تعمل كمتطوعة بعد أن اضطرت إلى التخلي عن دراستها الجامعية في جامعة اللاذقية بسبب الخوف من الاعتقال أو القتل في مساعدة الناس وتعليم الأطفال بين الأشجار أو في بيوت صغيرة، بعد أن دمرت قوات الأسد وطائراته المدارس وأحالتها إلى أنقاض، ومعظم الأطفال باتوا متشردين ولا يتمكنوا من الحصول على التعليم في ظل الجوع وغياب الأمن وبين أصوات الانفجارات وأصوات الرشاشات التي لا تهدأ أحياناً طوال اليوم. وتختم الناشطة التي باتت تكرِّس جُل وقتها لتعليم الأطفال «سنكمل مشوارنا داخل حدود هذا الوطن الذي تلطخ ثوب زينته الأخضر بدماء أبنائه، فيما تستمر معاناة النساء والأطفال لتتراكم صفحات الألم والقهر في ذاكرة هؤلاء البراعم دون أن يسمع أحد لصرخات استغاثاتهم من الموت والجوع، إنه العالم الذي أصابه الصمم واعتاد على منظر الدم السوري، ونحن اليوم أكثر إصراراً على تحرير كل سوريا، وسنحقق أحلام أطفالنا في وطن حر لكل السوريين». أطفال بلا مدارس..وفي الإطار طفلة تملأ الماء (تصوير: هاشم حاج بكري) أشجار أحرقتها قنابل النظام مخيم للنازحين في جبل الأكراد طفلة تملأ الماء امرأة تطبخ على موقد الحطب