أعلنت وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية بأنها أصدرت خلال عشر السنوات الماضية ما يقارب مليوناً ونصف المليون بطاقة أحوال شخصية للنساء، أي ما يزيد عن 15% من مجمل عدد المواطنات، والبالغ عددهن وفقاً لآخر إحصاء سكاني تسعة ملايين وثمانمائة وستة وسبعين ألف امرأة، وإذا ما استثنينا الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 15 سنة، حيث تبلغ نسبتهن 45% من مجمل النساء، فهذا يجعل مجموع اللاتي يستطعن الحصول على بطاقة الأحوال الشخصية خمسة ملايين وأربعمائة ألف امرأة، أي أن نسبة من استخرجن بطاقاتهن لم تتجاوز 28% من مجموع النساء اللاتي يستحققن الحصول على بطاقة أحوال شخصية مستقلة. فلماذا هناك أكثر من ثلاثة ملايين وستمائة ألف امرأة (72%) لم يستخرجن هذه البطاقة المهمة؟ تلعب محدودية توفر هذه الخدمة في مراكز الأحوال المدنية بالمناطق والمحافظات النائية دورها في انخفاض نسبة المواطنات الحاصلات على بطاقة أحوال، ولكن ووفقاً لنفس الإحصاء السكاني فإن الكثافة السكانية المتمركزة في المدن الكبرى والرئيسة للمملكة تفوق بشكل ملحوظ المحافظات النائية، مما يقلل من دور العامل الجغرافي واللوجيستي في الإجابة على سؤالنا. تأتي أهمية بطاقة الأحوال كإثبات وثائقي لشخصية حاملها كمواطن، ولِكونها تحتوي على صورة صاحبها فهذا يغيّب الفرصة لأي شخص آخر على انتحال شخصية الآخرين، ومن هنا تأتي الفائدة الأمنية للصورة المثبتة في هذه الوثيقة أو في الوثائق الرسمية الأخرى كرخص السياقة وجوازات السفر. ومن المعروف أن جوازات سفر السعوديات قبل سبعينات القرن الماضي كانت تصدر بدون صورة شخصية للمرأة صاحبة الجواز، ولكم أن تتخيلوا كيف كان جواز السفر لأي مواطنة قابل للاستخدام من قبل امرأة أخرى دون أن ينكشف أمرها. لقد كان وضع صورة شخصية للمرأة في وثيقة حكومية يطلع عليها رجال ليسوا مُحرمِين لها، مسألة مرفوضة من قبل القوى التقليدية المحافظة التي عارضتها في بداية الأمر، واعتبرتها خرقاً للشرع وخروجاً عن المألوف. ولكن إصرار الدولة المتزامن مع مواقف عدد من رجال الدين الذين أباحوا هذا التغير قلّص من عدم القبول المجتمعي، وجعل الجميع يخضع للأمر الواقع ويتقبل أن لا جواز سفر بدون صورة لصاحبته مثبتة فيه. وهذا النهج الذي استخدم ويستخدم بين الحين والآخر في قضايا اجتماعية مختلفة هو ما سهل لاحقاً من إصدار بطاقة الأحوال للمرأة بصورتها الشخصية من دون معارضة صارخة، إلا أن القوى الموغلة في تقليديتها والممانعة لتفعيل دور المرأة في الحياة الاقتصادية والثقافية، ما زالت متمسكة بوجهة نظرها في عدم إباحة كشف المرأة لوجهها، وتستنكر أي دعوة تدعو إلى عكس ذلك، وهذا ما يحد من الفائدة التي لأجلها أُصدرت البطاقة بصورة صاحبتها، ويقلل من المجالات التي تستطيع المرأة استخدامها لبطاقتها الشخصية. فباستثناء تلك التي تستفيد منها سيدات الأعمال، واستخدام البطاقة كوثيقة سفر بين دول مجلس التعاون، فإنها لا تقدم للمرأة ما تقدمه للرجل، فعلى سبيل المثال ترفض إدارة المرور قبول طلبات المواطنات لإصدار رخصة سياقة لهن، رغم امتلاكهن لبطاقة الأحوال الشخصية التي تعد المستند الرئيسي ضمن الوثائق المطلوبة لنيل الرخصة، وغياب المادة القانونية الصريحة الداعمة والمبررة لهذا الموقف. إن عدم جعل إصدار البطاقة إلزامياً لكل امرأة بلغت الثامنة عشرة من عمرها كما هو الحال لدى الرجال وبقاءها اختيارية، والاكتفاء بالبطاقة الوطنية (بطاقة العائلة) كمستند رسمي يمكن الاعتماد عليه في التعريف بشخصية المرأة سواء كانت زوجة أو بنتاً، يقلل بهذا الشكل أو ذاك من حماس الكثيرات في الإسراع بامتلاك بطاقتهن، لأنه وحتى حين تقديم المرأة (مهما كان عمرها) لبطاقتها فإن ذلك لا يعفيها من تقديم بطاقة العائلة المثبت فيها تبعيتها لصاحب البطاقة، وبالتالي فإن امتلاكها لبطاقتها المستقلة لا يمنحها الاستقلالية ولا الإقرار بأهليتها المستقلة. ختاماً كيف يمكن للمواطنة الاشتراك بفعالية في انتخابات المجالس البلدية القادمة مع بقاء هذه النسبة الكبيرة من النساء ممن لا يملكن بطاقاتهن الشخصية، فحتى بطاقة ناخب لا تصدر دون بطاقة أحوال؟.