ماذا لو فتحت مرة محفظتك الشخصية ووجدت فيها بطاقة، أخذت منك وقتاً لتستخرجها، ووقفت في طابور طويل لتحصل عليها، وعليها توقيع مدير الجهة الأمنية وطابع الدولة، وعليها المعلومات الدقيقة عنك وصورتك الشخصية، ويعرضك تزويرها أو فقدانها وعدم البلاغ عنها للخطر، ثم تكتشف أن معظم المؤسسات التي تراجعها ترفض الاعتراف بها، بل وتطلب منك تعريفاً موازياً لها مثل جواز السفر أو أقل مصداقية منها مثل معرفين من الناس؟ هذه البطاقة هي البطاقة المدنية للمرأة وهي نفس البطاقة التي يحملها الرجل وتقبلها جميع المؤسسات منه، بل وتشترطها لإنهاء معاملاته، لكن ما يجري على النساء لا يجري على الرجال. هذه البطاقة قصتها مضحكة حتى قبل أن تخرج، فهذه البطاقة خاضت معركة عمرها عشر سنوات تجاذب المشاركة فيها تيارات مجتمعية، التيار المتشدد، والتيار المحافظ، والتيار التنويري، وطرحت الأسئلة الكبرى والعبقرية حولها مثل: لماذا لا يكتفي النظام بوجود اسم المرأة في دفتر أحوال العائلة، والرجل هو المسؤول عن تعريفها؟ لكن هذا لا يكفي، فماذا لو أن هذ المرأة مطلقة أو أرملة ؟ لكن إذا صدرت البطاقة للمرأة، كيف توضع صورتها على البطاقة، فهذا لا يجوز؟ حسناً، لماذا لا توضع بصمة العين على البطاقة بدلاً من الصورة حتى لا يرفضها المتشددون؟ وانتظرت الدولة كل هذا الوقت حتى ظن البعض أن هذه البطاقة هي مكافأة، أو هبة، أو قرضاً حسناً، وأخيراً خرجت البطاقة المدنية للمرأة وبصمت مطبق لكي تحل مشاكل الأرامل في مراجعة الضمان الاجتماعي، ومشاكل سيدات الأعمال في الغرفة التجارية. لكن الطبقة العريضة المتوسطة بين هاتين الطبقتين من النساء لم تستفد من هذه البطاقة لأن معظم مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء اعتبرت نفسها خارج نظام البطاقة المدنية للمرأة وأصرت أن تتبع في تعريف النساء النظام القديم، نظام تعريف المرأة برجلين من أهلها وباسمها في بطاقة أحواله وهو نظام أشبه بنكتة «وين أذنك ياجحا» حين دل جحا على أذنه اليسرى بيده اليمنى فأخذ طريقاً طويلاً لا حاجة له. ولهذا فليس غريباً أن تجد قاضياً يطلب من سيدة بطاقتها ليأخذ رقمها فقط، وهو ممتعض من صورة وجهها في خمار أسود، لكنه يصر على أن تحضر رجلين من أهلها يعرفانها، وستجد الأمر مضحكاً أن تحضر المرأة أخيها وصديقه الذي لا يعرفها، واحد يعرفها وواحد يعرفها بناء على تعريف الآخر، إحدى السيدات اضطرت بحسب نظام الوكيل، ولإنها تحتاج من يخلص معاملاتها الحكومية في مؤسسات ممنوعة من دخولها، أن تعين رجلاً وكيلاً عنها ولكي توكله في المحكمة لابد لها من معرفين من عائلتها، سؤالي هو كم عدد الرجال الذين تحتاجهم المرأة لتباشر مهام عيشها من تجارة أو لقمة عيش كريم أو تحصيل علمي؟ وهل عليها أن تسير دائماً في صحبة جيش من الذكور لتعيش؟ [email protected]