قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس: إن واقع الفهوم لبعض أبناء أمتنا الإسلامية يعاني الضمور ما أسفر عن شروخ وتصدعات في شامخ البناء بسبب الفهم المسطح المتذمِّر الموهوم، بل المزعوم، وما هو إلا مباءة لانتشار الشائعات والأقاويل واستشراء الأكاذيب والأباطيل والطعن في النيَّات ورشق الرموز الكرام من الربانيين الأعلام أولي الفضائل المأثورة. وتساءل في خطبة الجمعة أمس: هل الفهم العميق الراسخ الوثيق في إدراك كل النصوص المحققة أو التأصيلات المصدقة، أن تتلقَّفها تأويلات المتأولين وآراء المتحيرين وعقول المتخرِّفين ممَّن تقاصروا عن مرتبة الوعي المبين والإنصاف المتين، وأصاخوا لجشاءات الشبكات العنكبوتية ونزيف المواقع التواصلية لينقلبوا جرَّاء ضحالة وعيهم ونزاقة فهمهم عن كل حسنة إلى غميزة تكافئها ويشفعوا كل فضيلة بمقيضة تعادلها. وزاد: إن المنهج الربَّاني الحكيم الذي يحفظ وعي المجتمعات ويزكِّيها وفي معارج الحب يبقيها ويرقِّيها قوله جل وعز «لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين». وتغليب حسن الظن بالمسلمين لقوله سبحانه «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم». والتأكيد على جمع الكلمة وحفظ اللحمة ووحدة الصف والحرص على حقن الدماء ودرء العنف والفتن الشوهاء وحفظ اللسان وتطهير الجنان من الأحقاد والأدران، والتثبت من فهم الأقوال وفهمها وحملها على أحسن المحامل دون تعسف أو تحامل، والإكسير الأعظم في ذلك لزوم الصدق والإخلاص والتجرد والإنصاف والعدل. وشدَّد إمام وخطيب المسجد الحرام على أنه يجب تأصيل أجيال الأمة وكواكب شبابها على الوعي الكامل والفسيح والنظر الثاقب الصحيح والحوار اللمَّاح المرتكز على المصالح والمفاسد والترجيح حيال متغيرات العصر ومستجداته ووقائعه وملمَّاته. وفي المدينةالمنورة أشار إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ على بن عبدالرحمن الحذيفي، إلى أن الله بين الحقوق التي له على عباده لأن حق الله علينا أعظم مما افترضه وأكبر مما أوجبه، ولكن الله برحمته فرض علينا بعض ما في وسعنا، وإلا فحق الله يذكر فلا ينسى ويطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر، وبيَّن الله حقوق العباد على بعض لتكون الحياة مطمئنة راضية مباركة تظلها الرحمة وتندفع عنها النقمة، ويتم فيها التعاون ويتحقق فيها التناصر والمودة. وأضاف يقول: إن الله بيَّن حقوق الولد على الوالدين وحقوق الوالدين على الولد وحقوق ذوي القربى والأرحام بعضهم على بعض، موضحاً أن كل مسلم يسأل عن نفسه في الدنيا والآخرة عن هذه الحقوق والواجبات، فإن أدَّاها وقام بها على أحسن صفة كان بأعلى المنازل عند ربه. وبيَّن فضيلته أن صلة الرحم حقٌّ طوَّقه الله الأعناق وواجب أثقل الله به الكواهل وأشغل به الذمم، مبيناً أن الأرحام هم القرابة من النسب والقرابة من المصاهرة، وأن الله أكد على صلة الأرحام وأمر بها. وزاد: إن الله فرض صلة الرحم في كل دين أنزله لكونها من أسس الأخلاق وركائز الفضائل وأبواب الخيرات، وأن قطيعته شؤم في الدنيا ونكد وشر وضيق في الصدر، فعقوبتها أليمة في الآخرة، وإن صلة الرحم هي بذل الخير لهم وكف الشر عنهم وعيادة مريضهم ومواساة فقيرهم ونفعه وإرشاد ضالهم وتعليم جاهلهم والحزن لمصيبتهم ورحمة صغيرهم والصبر على أذاهم، محذراً المرأة المسلمة بأن لا تكون سبباً للقطيعة بنقلها الكلام ودفنها المحاسن.