فيما يختص بعلاقاتنا الإنسانية مع من حولنا، ينقسم البشر إلى خمسة أصناف رئيسية، وقد يمتزج بينها، أو يتفرع عنها بعض الفروع. الأول: هم محبو الفرح، والأنس، من يبحثون عنك حثيثا، فقط عندما تكون في حالة بهجة، ويسعدون بما تقدمه لهم من سعادة، ويتنعمون في خيراتك، متجملين بالبسمة، والضحكة، والمزحة، والحب المبالغ فيه. وإذا حدث وأصابتك مصيبة، أو تناقصت بهجتك، فأنهم يهربون من أقرب نافذة، راغبين عن غم العيش معك في مصيبتك، وحمل الهموم، وتعزيتك. وما أسرع ما يعودون بالأعذار المحبوكة، في حال عودة البسمة لفمك، والرغد لكفك. الثاني: هم محبو الجنائز، وعاشقو المستشفيات، فلا يسعدون بفرح يحدث لك، بل يتجاهلونه، ويهمشونه، ويحقرونه، ولا يحاولون ذكره في مجالسهم، أو تذكره، ويظلون ينتظرون بشغف حتى تحط الطامة على رأسك، فيأتوك محملين بأنواع اللوم، والنصح، والدعاء، وبتصنع الحرص، وما يشبه اللطم، ونثر التراب على الرأس. وإذا حدث وزالت مصيبتك، وعادت نعمتك، حركهم الحسد، ليبتعدوا عنك، وهم يتمنون أن تعود لك المصيبة، فيتفضلوا عليك بحبهم، وحنانهم، المصطنع. الثالث: هم من تجدهم حولك، في فرحك، مثلما تجدهم في جرحك، فتشعر بإنسانيتهم، وتعرف أن ما يحركهم، هو حبهم لشخصك المجرد، فهم يفرحون بفرحك، وكأنه لهم، ويسيئهم جرحك، فيتشاطرونه معك، ولا يمُنون، ولا يمَلون، وهؤلاء للأسف الشديد ندرة، ولكنهم بحمد الله مازالوا متواجدين بيننا. الرابع: الكارهون لك جملة وتفصيلا، في فرحك، وجرحك، فأنت بالنسبة لهم نكرة، لولا رابط معين يجبرهم على ملاقاتك. فتكون علاقتهم بك، جامدة لا تعاطف فيها، ولا صدق، ولو كان بأيديهم لما سألوا عنك حيا، ولا ميتا. الخامس: هم فئة المنافقين، ممن تشعر، وتعرف يقينا، بأنهم سبب أكثر ما يصيبك من البلاء، والمشكلات، (وأنا لا أقصد هنا أنهم يحسدون، أو أن عيونهم قوية)، ولكني أقصد أنهم بالفعل يقومون بما يقومون به في الخفاء من غيبة، وتحريض، وكذب، بغية الإضرار بك، والإساءة إليك، والإقلال من منزلتك، وكأنك عدو لهم، بينما يظهرون أمامك المحبة، والتعاطف، وهم يبطنون ما لا يظهرون، وهذا النوع من أخطر الأنواع. وللحكم على من هم حولك، فأنت تحتاج إلى معرفة نفسك أولا، وتحديد صنفك بالنسبة لهم، وبمنتهى الصدق، ودون أن تجامل نفسك. ثم بعد ذلك، حاول أن تدرس تاريخهم معك، وتحديد صنفهم. وابحث بينك وبين نفسك، عن أسباب ما يفعلونه، إن كانوا من الأصناف الضارة، فربما أن ما يفعلونه لا يعدو كونه رد فعل لما تقوم به أنت حيالهم. راجع نفسك، وتساءل كيف تفرح لهم، ومتى تحزن، وكيف تتعامل معهم في الأحوال العادية، هل تواصلهم، وتسأل عنهم، هل تقطعهم بالشهور ثم تعود لهم عند الأحزان، هل؟ ولو وجدت منطقة الخلل، فحاول إصلاحها، ولا تقاطعهم، وتكلم عنهم في غيبتهم بما يحبون، أفرح لفرحهم، أحزن لحزنهم، كن معهم كما تحب أن يكونوا معك، وعد بعد ذلك للمقارنة والقياس، فستجد أن البشر الحقيقيين يتأثرون، ويتعاطفون، ويصلحون من أخطائهم، بمجرد قيامك بدورك الإنساني الراقي معهم وبكامل مزاياه. لا شك أن المادة تطغى من حولنا، وتتحكم بالعلاقات الإنسانية، حتى صار الإنسان يقدر بما يمتلك، وبما يمكن أن ينقص ويزيد من ممتلكاتنا. ولكن الإنسانية الحقيقية صفات نحمل بعضها في جيناتنا، وننمي البعض الآخر بمشاعرنا، ونخلق الباقي، بالعشرة الحسنة، والتواد، والتضحية، ونسيان الذات. حب الأنا، أو الأنانية، أو التعالي على البشر، هي أبشع صفة عرفتها البشرية، فمنها نحرض في نفوس من حولنا الصفات السيئة نحونا، تلك الصفات، التي نرى في النهاية أنها تصب في غير صالحنا، وأنها هي ما يجعلنا نتساءل في النهاية، لماذا يكرهنا الآخرون، ولماذا يحسدوننا، ولماذا يفرحون بأحزاننا؟ هنا، أطرح دعوة للجميع بمراجعة النفس، وإعادة صياغة العلاقات الإنسانية بمن يحيطون بهم، من أهل، وأقارب، وأصحاب، وزملاء عمل، وجيران، ومعارف. الحياة جميلة، ومن الممكن أن نضيف إليها الكثير من الجمال، بمجرد معرفة من نحن، بالنسبة للآخرين، وفي أي الأصناف الخمسة، يقع كل شخص نعرفه. وأن نسأل أنفسنا، هل ما نفعله من تصرفات حيالهم تصرفات سليمة، وهل من الممكن تعديل عوجها، وإعادة النظر في أحوالنا النفسية، حتى يتناقص عدد من نعرفهم من جميع الأصناف، بعد أن نجبر الأغلبية على أن يكونوا من الصنف الثالث، والذي نسكنه بامتياز.