الدمام عصام سعيد 11 ألف مشروع حكومي يشرف عليها 500 مهندس سعودي.. ومنتجنا الهندسيُّ متدنٍّ كشف رئيس الهيئة السعودية للمهندسين المهندس حمد الشقاوي أن القطاع الخاص مازال يفضل المهندس الأجنبي على المهندس السعودي لأسباب مالية، تتركز في تقليص كلفة المشاريع، مشيراً إلى أن هذا الأمر أسفر عن منتج هندسي متواضع ومتدنٍّ، يقبل به المجتمع السعودي الذي لم يجد بديلاً عنه. ودعا الشقاوي إلى إعادة النظر في رواتب المهندسين السعوديين، وآلية توظيفهم في القطاع الخاص، مبيناً أن الدولة تستطيع أن تدعم المهندس الوطني في القطاع الخاص، بالضغط على المكاتب الهندسية. وحذر الشقاوي في حواره مع «الشرق» من انتحال صفة المهندس، وقال إن أصحاب المهن اليدوية والحرفية أطلقوا على أنفسهم وصف «مهندس» بشكل رسمي، بعدما اطمأنوا أنه لا توجد جهة ما تحاسبهم.. وهنا نص الحوار.. * مشكلات المهندسات السعوديات يبدو أنها متفاقمة.. دعنا نبدأ الحوار من أعداد الخريجات منهن مقارنة بعدد العاملات في المجال ذاته؟ - حتى اللحظة، لا يوجد لدينا في الهيئة إحصاءات دقيقة لأعداد المهندسات من الخريجات، لأن موضوعهن مازال غامضاً، ولكن دعني أعلن لك أن أعداد المهندسات المسجلات لدينا حوالي 50 مهندسة فقط، من نحو 100 مهندسة سعودية يتخرجن كل عام تقريباً، وقد يكون العدد أقل من ذلك كثيراً إذا علمنا أن عدد خريجات قسم التصميم الداخلي في جامعة الدمام خلال 32 عاماً لم يتجاوز 400 مهندسة، والإحصائية الدقيقة إذا توفرت، تساعدنا على وضع خطط عمل الهيئة، ومن هنا، رأينا أن نتفق مع إحدى الجامعات السعودية، على إجراء دراسات دقيقة، توضح أعداد المهندسات والمهندسين السعوديين الذين تخرجوا في الجامعات، وتحديد الأعداد المطلوبة في سوق العمل وتخصصاتهم، وكيفية توفيرها ضمن خطة عمل مكثفة، ونأمل أن ننتهي من هذه الدراسة في أسرع وقت. * هل نفهم من هذا أن المهندس السعودي نجح في القطاع الحكومي وفشل في القطاع الخاص؟ - بالتأكيد لا، مشكلتنا أننا ننظر للمكاتب الهندسية والاستشارية وشركات المقاولات على أنها تمثل القطاع الخاص، مع العلم أن شركة أرامكو قطاع خاص وليست قطاعاً حكومياً كما يعتقد البعض، ونجح فيها المهندس السعودي، وشركات كثيرة في السعودية، يديرها مهندسون سعوديون، ونجحت. المشكلة من وجهة نظري، تكمن في أن القطاع الخاص يبحث عن المهندسين الأرخص، ووجد ضالته في المهندس الأجنبي، إلى أن أصبحت السعودية أفضل بلد لاجتذاب المهندسين الأجانب من حديثي التخرج، ونتيجة هذا الأمر أصبح لدينا منتج هندسي متدنٍّ ومتواضع، يقبل به المجتمع السعودي، لأنه لم يجد بديلاً عنه، والمهندسون الأجانب يتسابقون لإرضاء أصحاب العمل في تقليص كلفة المشاريع وزيادة الأرباح على حساب فنيات المهنة، وأتحدى شركات القطاع الخاص أن تُقبل على توظيف مهندسين سعوديين أصحاب خبرة وباع كبير في مجالهم، لأنهم لن يرضوا بأي منتج هندسي يوفِّر من كلفة المشاريع لصاحب العمل. * ولكن نلاحظ أن الاعتماد الكلي للمهندسين السعوديين يرتكز على المشاريع الحكومية بعيداً عن مشاريع القطاع الخاص؟ - هذا أمر مؤكد، كون الدولة هي الداعم الرئيس لسوق الإنشاءات والقطاع الهندسي، فمازال المهندسون السعوديون يعتمدون على مشاريع الحكومة، التي توفر الوظائف لهم، فهناك أكثر من 11 ألف مشروع حكومي لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية وحدها، يشرف عليها ما بين 400 و500 مهندس سعودي، أي بمعدل أكثر من 22 مشروعاً لكل مهندس، وهذا يشير إلى نقص أعداد المهندسين السعوديين في سوق العمل، إذ يصل عددهم إلى 5600 مهندس، من إجمالي 30 ألف مهندس سعودي، يعمل الباقي منهم في القطاع الخاص. * ذكرت أن هناك نقصاً في أعداد المهندسين السعوديين ولكن هذا يتعارض مع أخبار تؤكد وجود بطالة في صفوفهم حالياً؟ - دعنا نتفق على تعريف البطالة أولاً، وهو وجود وظيفة واحدة يتنافس عليها عدد كبير من طالبي العمل، ونحن لدينا العكس، لدينا عدد وظائف هندسية لا تجد من يتقدم لها، فقد طرحت وزارة الخدمة المدنية مائة وظيفة هندسية، لم يتقدم لها إلا عدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبالتالي لا توجد بطالة في صفوف المهندسين السعوديين، ولكن تبقى لدينا مشكلة التقدير المالي العادل للمهندسين، وعدم وجود هذا التقدير يجعل كثيراً منهم يرفضون فرص التوظيف في أماكن بعيدة، لا تحقق لهم ما يحلمون به، ومن هنا، يجب إعادة النظر في رواتب المهندسين الجدد، وتعيينهم في المجالات التي تخصصوا فيها. * وكيف تتحقق سعودة المكاتب بالمهندسين؟ - الأمر سهل ولا يحتاج إلى مجهود كبير، فما نحلم به، أن نطبق تجربة وزارة الصحة مع السعودة، هذه الوزارة من وجهة نظري، تعد أفضل جهة حكومية حققت نجاحاً كبيراً في توطين وظائف الأطباء، لذا نجد اليوم أطباء سعوديين يتقاضون رواتب كبيرة جداً، ويتولون مناصب مهمة، وكما ذكرت لك أن الحكومة تطرح عدداً وافراً من المشاريع التي تنفذها المكاتب الهندسية، وتستطيع الدولة أن تفرض شروطها على تلك المكاتب، بتحديد نسبة المهندسين العاملين في كل مشروع، وتحديد نسبة المهندسين حديثي التخرج لإكسابهم الخبرة اللازمة، ووضع حد أدنى للرواتب بحسب سنوات الخبرة، ووضع برنامج ومسار تدريبي واضح، إذا تحقق ذلك سنضمن أن يكون لدينا جيل من المهندسين أصحاب الخبرة. المهندس السعودي من أكفأ مهندسي العالم المهندس السعودي من أكفأ المهندسين، ليس على مستوى السعودية فحسب، وإنما على مستوى العالم، متى وجد الفرصة المناسبة له في بيئة العمل، ولن نذهب بعيداً، وعلينا أن نلاحظ أداء المهندسين السعوديين الذين يتولون إدارة كبريات الشركات لدينا، سواء في مجال النفط، مثل أرامكو، أو البتروكيماويات أو الهيئة الملكية، هذه الشركات حققت نسب نجاح يشهد لها العالم، وهي تحت إدارة سعودية بالكامل، ودعم الهيئة موجه للمهندسين حديثي التخرج، الذين لا يجدون من يمنحهم الفرصة للعمل في القطاع الخاص، لرغبة هذا القطاع في توظيف المهندس الجاهز للعمل، ولا يجد المهندس الحديث سوى القطاع الحكومي غير المحفِّز مادياً مع الأسف الشديد. نسعى لأستنساخ تجربة وزارة الصحة في توطين الوظائف طالبنا كثيراً بتطبيق تجربة وزارة الصحة في توطين الوظائف، ولكن لا أحد يستمع لنا، أو يناقشنا، المهندسون السعوديون على قلتهم، لم يحصلوا على حقوقهم بعد، ولابد من دعمهم في سوق العمل، لأنهم الذخيرة الحقيقية للوطن، لدينا في السعودية حاليا 170 ألف مهندس، نسبة السعودة بينهم لا تتجاوز 18%، والجامعات تخرج حوالي 3000خريج كل عام، معنى ذلك أننا في حاجة إلى أكثر من 70 سنة حتى يكون لدينا اكتفاء ذاتي من المهندسين، ولا نلتفت إلى الاستقدام، علينا أن نتحرك من الآن لدعم المهندس السعودي بأي وسيلة، حتى نعتمد على مهندسينا وليس على الآخرين. قبل فترة فوجئت باتصال من مهندس بحري سعودي خريج الأكاديمية البحرية في الإسكندرية في جمهورية مصر العربية، وهي من أفضل الأكاديميات في المنطقة، يناشدني البحث له عن وظيفة، فلم يجد، إلا وظيفة إداري في مكتب مقاولات. «السباك» و«الكهربائي» لدينا أصبحا مهندسَين اعتماد نظام مزاولة المهنة في المجال الهندسي تأخر كثيراً عن موعده، وتأثير ذلك كبير وخطير، حيث اختلط الحابل بالنابل في سوق العمل، جميع أصحاب المهن اليدوية والحرفية أصبحوا مهندسين، النجار أصبح مهندساً، والسباك أصبح مهندساً، والكهربائي أصبح مهندساً، والمصمم أصبح مهندساً، ووصل الأمر ببعضهم أن طبعوا «كروت عمل» كتبوا فيها أنهم مهندسون، لابد أن نعي أن انتحال وظيفة مهندس لا تقل خطورة من انتحال مهنة طبيب، ونأمل أن تسارع الدولة في اعتماد نظام مزاولة المهن الهندسية في أسرع وقت، حفاظاً على المهنة والعاملين فيها.