بمبادرة رائدة من فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المنطقة الشرقية، عُقدت الأسبوع الماضي ورشة عمل مهمة موجهة للمحامين والمستشارين القانونيين تستهدف استكشاف دورهم في مجال حماية حقوق الإنسان، وتكاملية عملهم مع المؤسسات الحقوقية، وتعزيز مفهوم التطوع في عمل المحامين. في عديد من دول العالم يلعب المحامون دوراً بارزاً في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان بتشعباتها المختلفة، وتلزم بعض الدول المحامين فيها بتقديم خدمات تطوعية على شكل ساعات عمل محددة سنوياً أو المشاركة في جمعيات ومؤسسات اجتماعية لهذا الغرض. وفي مجتمعنا، بدأت تزداد الحاجة إلى خدمات المحامين والاستشارات القانونية بسبب النمو المضطرد في الكثافة السكانية وما يتبعها من تعقيدات اجتماعية وتحولات سياسية، وكذلك مع تطور وسائل التواصل وما تفرزه من إشكالات حقيقية. من الواضح أن هناك نقصاً كبيراً في الثقافة القانونية لدى معظم الناس، وبالتالي ينعكس على ضعف قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم في حال تعرضهم للتوقيف أو التحقيق والمثول أمام القضاء. وكثيراً ما يقع الفرد بسبب جهله بالقانون وعدم تقديم استشارة مناسبة له ضحية لحكم كان بإمكانه تجاوزه أو التخفيف منه لو توفرت له الاستشارة القانونية المناسبة. من هنا فإن الدولة مسؤولة عن توعية المواطنين بحقوقهم عبر مختلف الوسائل، وكذلك إلزام جميع الأفراد العاملين في أجهزة التوقيف والقبض والتحقيق والقضاء بضرورة توفير الحماية القانونية لمن هم تحت سلطتهم وطوال فترة الاحتجاز. المحامون عبروا عن رغبة واضحة في تقديم خدمات تطوعية لكل من يحتاجونها، ولكنهم أوضحوا أيضا عن وجود تحديات حقيقية تعيق من قدرتهم على تحقيق هذا الهدف. من بين تلك التحديات وجود صعوبات في التواصل مع الموقوفين والحصول على وكالات منهم، وتعقيد إجراءات دخول السجون للقاء الموقوفين، وبيروقراطية أجهزة القضاء كطول مواعيد تسجيل الشكاوى. لم ينف المحامون أيضاً وجود إشكالات ذاتية لديهم في ممارسة العمل التطوعي كمحدودية فرص تدريب المحامين المتطوعين، وضعف إدارة خدمات التطوع في مكاتب المحاماة كتنظيم الأتعاب والأوقات المخصصة، وعدم القدرة على استيعاب المبادرات العملية بصورة فعالة، والحذر من أخذ قضايا ذات بعد سياسي أو حقوقي. الحوار يتواصل أيضاً حول المجالات التي يمكن للمحامين أن يقوموا بها في هذا المجال، وخاصة في ظل تنامي الحاجة لدورهم وتعقد الحياة الاجتماعية أكثر. فمن بين المجالات المطروحة قضايا الأحوال الشخصية، والقضايا الجنائية، والقضايا العمالية، وقضايا حرية الرأي والتعبير كنشطاء حقوق الإنسان والمهتمين بالشأن العام، والإعلاميين وكتاب الصحف، ونشطاء الإنترنت وتقنية المعلومات. لقد كشف اللقاء عن مجموعة أمور هي غاية في الأهمية، أبرزها أن هناك رغبة واستعداداً لدى معظم المحامين لتقديم خدمات تطوعية في مجال الاستشارات والمساندة القانونية، وأن هناك أيضا فرص عمل مشتركة عديدة بينهم من جهة وبين المؤسسات الحقوقية ينبغي العمل على بلورتها وتقنينها. لا ننسى هنا أن المستهدف من كل ذلك هو الإنسان الضعيف مالاً وقدرة، سواء كان مقيماً أو مواطناً، وغير القادر على الدفاع عن نفسه وحقوقه وحمايتها من التجاوزات والانتهاكات التي قد تقع عليه، وهو هدف إنساني سام تبناه جميع المشاركين. فشكرا للجمعية على مبادرتها، وللمحامين على تجاوبهم وحماسهم وتفاعلهم.