العنوانُ أعلاه كان وسماً لعمليةِ قتلٍ في العراقِ قامت بها مجموعةٌ متطرفةٌ لثلاثةِ سوريين يقودون شاحناتٍ هناك، والواقعُ أنَّ عمليةَ القتلِ نفسَها ليست مستغربة، بالنظرِ إلى فكرِ القاعدةِ وتساهلِه في تكفيرِ الناسِ واستحلالِ دمائِهم، لكنَّ المثيرَ أن يصيرَ دمُ الإنسانِ هيِّناً إلى هذا الحد، وأن تُصَوَّرَ هذه الأعمالُ -على وحشيتها- على أنها جهادٌ في سبيلِ الله!، فأي دينٍ يبيحُ لأتباعِه قتلَ أشخاصٍ عُزَّل بسببِ عرقٍ أو طائفةٍ أو جماعةٍ أو حزب، فما بالك إذا كان يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله!؛ عندما يُستوقَفُ في الشارعِ ويحاكمُ محاكمةً دينيةً ثم يُقتًلُ تقرباً إلى اللهِ عزَّ وجل!، في مشهدٍ هو أشبه ما يكونُ بمحاكمِ التفتيشِ في القرونِ الوسطى، حيث كانت مهمتُها اكتشافَ المخالفين للكنيسةِ ومعاقبَتهم، فهل من المروءةِ والأخلاقِ والدينِ أن يُقتَلَ إنسانٌ أعزل لمجردِ أنه مختلف!، ثم يدَّعى قاتلُه أنه بهذا العملِ سيُدخَل الجنة!، وهل هذا الفعلُ ينسجمُ مع من يدَّعي أنَّ قدوتَه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ذلك النبيُ الذي قال له ربُه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، حتى أنه بكى يوماً حين مرَّت جنازةُ يهودي، ولمّا سُئل ما يبكيك يا رسولَ الله، قال: (نفس أفلتت مني إلى النار)، فلست أدري من أقنعَ هؤلاء المتطرفين أنَّ الطريقَ إلى الجنةِ محفوفٌ بدماءِ الأبرياءِ وإتلافِ الأنفسِ والممتلكات، ومن أخبرَهم أنَّ منزلتَهم في الجنةِ ستعلو بمقدارِ الأرواحِ التي تُزهَق والدماءِ التي تُراق، وأنهم سيصيرون إلى اللهِ أقربُ كلما قتلوا أكبرَ عددٍ من الناسِ الأبرياء! المشكلةُ أنَّ حجمَ التبريرِ لهذا الفعلِ أو تأييده كان كبيراً بما يُنذرُ بكارثة، ويشي بمدى انتشارِ هذا الفكرِ المتطرفِ بين الشبابِ وتناميه في أوساطِهم، فكلُ فعلٍ متطرفٍ هو في الغالبِ نتيجةٌ لفكرٍ متطرف، وهذا العملُ ليس إلا مظهراً خارجياً لما يكمنُ في أعماقِ النفسِ من نزعاتٍ إجرامية مكبوتةٍ ورغبةٍ في القتل، إذ لا أخطرَ من مجرمٍ ينخرطُ في قضيةٍ مقدسة!، والمؤسفُ أنَّ كثيراً من الذين كتبوا تحت هذا الوسمِ اعتبروه عملاً شرعياً لا ينكره إلا العاطفيون والليبراليون والجاميون وأشباههُم، مستدلين بقال اللهُ وقال الرسول!، وهل ضَلَّ قوم ٌ بغيرِ تأويلٍ فاسد لآيةٍ أو حديث!، ثم إنَّهم يدعون اللهَ أن يكثرَ من أمثالِ ذلك القائدِ المنفِّذِ لتلك العمليةِ، وكلُ من يُنكِر هذا الفعلَ أعادوا عليه ترانيمَهم المعتادة: سلمَ منك اليهودُ والنصارى، وما سلِمَ منك المجاهدون!، أو قالوا: ليتك قلت هذا فيمن قُتِلَ في الغوطةِ ورابعة العدوية!، ليوهموا البسطاءَ أنَّ إنكارَ القتلِ هنا يوجبُ الرضا بالقتلِ هناك، غيرُ مدركين أن المبادئ لا تُجتزأ، وأن قتلَ الأبرياءِ جريمةٌ في كلِ الأحوالِ بغضِ النظرِ عن نوعِهم، وأنَّ هؤلاء الذين قُتِلوا أيضاً بشر؛ وراءهم أسرٌ وأمهاتٌ وأطفالٌ وزوجاتٌ، كما لم يعلِّق أحدٌ من الدعاةِ المعروفين بحماسِهم، وتباكيهم على حقوقِ الإنسانِ والحريةِ والعدالةِ الاجتماعية، فلست أدري هل يرون شرعيتَها؟!، أم يخشون سخطَ الأتباعِ وانفضاضِهم؟! ولا أعرفُ هل يؤمنون بحقِ الآخرين في الأمنِ والحريةِ والحياةِ مثلهم، أم أنَّ هذه الأشياءَ تكونُ جريمةً عندما تُسلبُ منهم، لكنَّها تصيرُ إيماناً كاملاً وجهاداً في سبيلِ اللهِ عندما يُحرَم منها غيرُهم!، مع أنَّ النبيَ عليه السلام أُرسِلَ رحمةً لجميعِ الناسِ وليس لجماعتِهم فقط. صدقوني إنَّه مهما بُذِلَ لهدمِ الإسلامِ فلن يوجدَ مِعوَلُ هدمٍ هو أمضى مما تقومُ به هذه الجماعاتُ الإسلاميةُ المتطرفةُ من عملياتِ قتلٍ وتعذيبٍ وتصفيةٍ لأتفهِ الأسباب، وإنَّ عملاً واحداً تُصدِره تلك الجماعاتُ إلى العالمِ لَيفعلُ في تشويهِ الإسلامِ ما لم تفعله أكبرُ إمبراطورية إعلامية في العالم!، لأنَّ الناسَ جُبِلوا على تقديرِ الأشياءِ بمظاهرِها، فكلُ الذين يمارسون عملَ الجهادِ في نظرِهم مجاهدون، وكلُ عملٍ سيئ يقترفونه باسمِ الجهادِ إنما يهدمون به الدينَ من حيث لا يشعرون، ثم إنَّه با الله عليكم؛ ماذا تنتظرون من أناسٍ يجدون أن عباراتِ التكبيرِ والتكفيرِ والجهادِ وكلمةِ لا إله إلا الله محمد رسول الله، مقرونةً بعملياتِ القتلِ والتفجيرِ والتخريبِ أو جَزِّ الرؤوسِ لأشخاصٍ عُزَّلٍ لا ذنبَ لهم سوى البحثِ عن لقمةِ عيشٍ يسدون بها جوعَ عيالِهم!