عبدالله أحمد المغلوث – عضو الجمعية السعودية للاقتصاد نالت مؤخراً قضية ارتفاع أسعار المواد الغذائية كثيراً من التناول الإعلامي والشعبي معززة بالقدرات الهائلة لوسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت المنصة الإعلامية الأقوى للجماهير في التعبير عن وجهة نظرها. إن التضخم العالمي الذي ضرب العالم إثر الأزمة العالمية الأخيرة أثَّر على أسعار جميع السلع، وكانت المواد الغذائية صاحب النصيب الأكبر من هذه الأزمة نتيجة التضخم السكاني وزيادة الاستهلاك العالمي، فضلاً عن الحرائق والتغيرات المناخية التي ضربت عديداً من دول العالم المنتجة للمحاصيل؛ فارتفعت أسعار القمح والأرز والذرة والصويا وهي القاعدة الأساسية لمجمل الغذاء الإنساني على الكوكب؛ إذ إن ارتفاع أسعار هذه المواد يُنتج ارتفاعات أخرى وبنفس الحدة في منتجات عديدة، تمثل هذه المحاصيل مواد أولية ووسيطة لإنتاجها السكر ومنتجات الألبان واللحوم. أيضاً الطلب العالي على الغذاء الذي أحدثه النمو الهائل في اقتصادات الصين والهند نشَّط الطلب على هذه المواد والمحاصيل بشكل كبير، وهو ما يؤدي بديهياً لارتفاع الأسعار طبقاً لقاعدة العرض والطلب. كما يعزز هذا الارتفاع زيادة الاستهلاك الناتجة عن بعض السياسات الاقتصادية لبعض دول العالم التي تستخدم الحبوب كوقود حيوي. فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار بودرة الحليب بأكثر من الضعف، وهو ما أنتج ارتفاعاً في أسعار الحليب المجفف وطويل الأجل، وهو أحد المواد الغذائية اليومية للأسرة؛ ما أنتج ردة فعل كبيرة من المستهلك على ارتفاع السعر، وهو أمر مفهوم. وضع الشركات المنتجة في حرج ما بين ارتفاع أسعار المحاصيل العالمية والوفاء بالتزاماتها تجاه المستهلك. الأزمة العالمية متبوعة بالتضخم العالمي وانحسار المساحات المنزرعة وزيادة الاستهلاك العالمي وارتفاع الطلب على الغذاء… كلها أمور يجب أن نضعها في الحسبان عند الحديث عن ارتفاعات الأسعار في السوق المحلية لأن هذه السوق جزء من المنظومة العالمية التي تؤثر في بعضها البعض. ما لاحظته على وسائل التواصل الاجتماعي من انتفاضة ضد ارتفاع الأسعار تحتِّم علينا البحث عن بدائل للغذاء وتوفير آليات الإنتاج الضخم واستحداث وسائل متقدمة للزراعة لزيادة المعروض من الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، في وقت يضج فيه العالم ويقترب من حافة الجوع. غلاء الغذاء يصيب شتى جوانب الحياة بالغلاء ويرفع من تكاليف المعيشة التي ترفع معها أسعار شتى السلع حتى الكمالية منها، وها قد سمعنا أخيراً عن زيادة أقساط المدارس للوفاء بمطالب المعلمين في زيادة رواتبهم.. لا يستقيم أن نضع رؤوسنا في الرمال تجاه قضية التضخم العالمي ونواجه ارتفاع الأسعار بالصراخ.. الأمر يحتاج إلى حلول اقتصادية جذرية ودعم لهذه المواد للحفاظ على أسعارها.