قرأت مرة أن أمراض القرن الجديد في العالم هي نفسية أكثر منها عضوية. وظهرت منظمة الصحة العالمية بإحصاءات حول الأمراض النفسية التي تهدد العالم ومنها أمراض العالم الثالث النفسية، نتيجة صعوبة الحياة. ومن تقاريرها أن ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم. كما قال أحد التقارير الأخيرة إن هناك علاقة بين الاضطرابات النفسية وبين ارتفاع معدلات البطالة، تصل إلى نسبة قد تفوق 99% في بعض الأحيان. وعوضا عن ذلك، هناك أسباب مختلفة للاضطرابات النفسية غير العرضية كالقلق والأرق والاكتئاب أيضا، كنتيجة طبيعية للاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالبطالة والفقر مثلا يؤديان إلى العدوانية والانتقام ومن ثم إسقاط الأسباب على المجتمع والدولة. ومن الأمراض العصرية لدينا أيضا عدم التسامح والتطرف والإرهاب، الذي يفسر الحالة الانفعالية التي تترافق عادة والانتماء إلى جماعة والتعصب الأعمى لها. والتطرف (السياسي والديني والفكري) هو بطبيعة الحال ظاهرة مرضية على مختلف مستويات النفس المعرفية والانفعالية والسلوكية. الأحداث التي يمر بها الشرق الأوسط ليست أحداثا عادية. والاضطرابات التي تحدث في المنطقة هي مرحلة صعبة، قد تستدعي دراسات عدة. ومن بين الأعراض التي تمر بها الدول والمجتمعات هي ما يعرف بأعراض متلازمة ستوكهولم Stockholm syndrome، وهي متلازمة شاعت بعد الاختطاف الشهير في السويد وأحداثه. ودرست إثر تعاون بين محللين بوليسيين ومحللين نفسيين. ففي الثالث والعشرين من أغسطس عام 1973، احتجز أربعة من الرهائن داخل بنك «كريديت بانكن» بستوكهولم من قبل الخاطف «جان إيريك أولسون» (32 عاما)، الذي انضم إليه لاحقا أحد زملائه في السجن. القصة تبدو حتى الآن اعتيادية. لكن العجيب في الأمر أنه بعد ستة أيام من الاختطاف ومع انتهاء ذلك الاحتجاز، بدا على المخطوفين تصرفات أذهلت البوليس وأثارت اهتمام المحللين. فقد بدا أن المختطفين قد أحبوا المجرمين وبدوا متعاونين وبنوا علاقة جيدة معهم. هذا الأمر كان مثار الأجهزة المختلفة كوسائل الإعلام في السويد والعالم. وفي عام 2009 ، أي بعد 36 عاما من الحادثة، أجرت قناة راديو السويد لقاء مع إحدى ضحايا الاختطاف تدعى «كريستين أنمارك» فقالت «إنه نوع من مجريات الأحداث التي تتعرض لها، للدرجة التي تحدث بطريقة ما تغييرا في قيمك وأخلاقياتك كلها». ومن ستوكهولم إلى بقية العالم، الإنسان هو نفسه على أي حال. وربما يتذكر الإعلام ما حدث أيضا لابنة ثري أمريكي من كاليفورنيا تدعى «لباتي هيرست»، التي كان قد اختطفها بعض المسلحين الثوريين بعد عام من حادثة استوكهولم أي عام 1974. وقد أبدت باتي تعاطفا غريبا مع مختطفيها وتجاوزت ذلك إلى التعاون معهم في إحدى عمليات السطو، قبل أن ينتهي بها الأمر لأن يتم إلقاء القبض عليها ويحكم عليها بالسجن. ومن القصص التي وصفتها التقارير الإعلامية بمتلازمة ستوكهولم أيضا هي حالة «ناتاشا كامبوش»، التي كانت قد اختطفت وهي في العاشرة من عمرها واحتجزت داخل أحد الأقبية ل 8 سنوات. وقيل إنها «أجهشت بالبكاء عند سماعها خبر موت مختطفها، وقامت بإشعال شمعة حيث يرقد جسده». ويعتبر الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة «نيلز بيجيروت» هو أول من صاغ هذا المصطلح، كما أبدى الطبيب النفسي «فرانك أوشبيرغ» اهتماما كبيرا بهذه الظاهرة وقام في السبعينات من القرن الماضي بتعريف المتلازمة، وتوضيحها لمكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الشرطة البريطانية «سكوتلاند يارد»، حيث كان يعمل في ذلك الوقت على مساعدة فرقة العمل الوطنية الأمريكية لمكافحة الإرهاب والفوضى في وضع استراتيجيات للتعامل مع حالات احتجاز الرهائن. ويوضح أوشبيرغ «أن قيام المختطف ببعض الأعمال الطيبة تجاه المخطوفين، كتقديم الطعام لهم، من شأنه أن يحفز لديهم شعورا بالامتنان «لمنحهم الحياة»!!. إنها أشبه بعملية غسل الدماغ وتحويل الرأي تماما، من خلال التعاطف مع الديكتاتور والقامع والمعتدي. وذلك ناجم بطبيعة الحال عن الخوف والضغط النفسي اللذين يتعرض لهما الفرد سواء مختطفا أو مهددا أو معنفا أو مقموعا. وينتهي إلى التعلق بالجلاد والجاني، ويصبح لا إراديا خانعا طيعا ممتنا له. ومن الخوف ينشأ الامتنان بمنح الحياة نفسها. ومنه يحدث الابتزاز من الطرف المتفوق. وهذا ما تبينه لنا الأحداث في العالم العربي، منذ العراق وحتى الثورات العربية الأخيرة.