تسريع إنشاء الميناء الجاف يحل أزمة تكدس شاحنات ميناء الملك عبدالعزيز    الذهب لأعلى مستوى مع تراجع الدولار وترقب إشارات «الفائدة».. والأسهم ترتفع    النفط يستقر رغم انقطاع الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية    خيم نازحي غزة تغرق.. ودعوات دولية لزيادة المساعدات    القافلة الطبية لجراحة العيون تختتم أعمالها في نيجيريا    مصير «الأخضر» تحدده 4 مباريات    الخليج يتخطى الشباب البحريني ويتأهل لنصف نهائي "آسيوية اليد"    المملكة تؤكد خطورة التصريحات الإسرائيلية بشأن الضفة الغربية    يوم الطفل.. تعزيز الوعي وتقديم المبادرات    ياسمين عبدالعزيز تثير الجدل بعد وصف «الندالة» !    تحالف ثلاثي جامعي يطلق ملتقى خريجي روسيا وآسيا الوسطى    22 ألف مستفيد من حملة تطعيم الإنفلونزا بمستشفى الفيصل    خبر انطلاق منتدى مكة لريادة الأعمال وحفل التدشين    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود الجمعيات الأهلية    العصفور ل«عكاظ»: التحولات نقطة ضعف الأخضر    رهانات زيارة ماكرون للمملكة العربية السعودية    أشبال أخضر اليد يحققون انتصارهم الثاني في البطولة العربية أمام الجزائر    أمير القصيم يستقبل السفير الأوكراني    سهرة مع سحابة بعيدة    العامودي وبخش يستقبلان المعزين في فقيدتهما    فرص تطوعية لتنظيف المساجد والجوامع أطلقتها الشؤون الإسلامية في جازان    الشورى يطالب «التنمية الاجتماعية» بتغطية المناطق كافة    «قمة الكويت» وإدارة المصالح الخليجية المشتركة!    رغم تناقضاتهم.. تجمعهم كراهية السعودية !    الرومانسية الجديدة    واعيباه...!!    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدد من الفعاليات التوعوية والتثقيفية وتفتح فرصاً تطوعية    ماكرون: لدى الصين دور رئيسي في تجنب التصعيد النووي    تحت رعاية خادم الحرمين.. مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    سفارة كازاخستان تكرم الإعلامي نزار العلي بجائزة التميز الإعلامي    وطن الطموح    الترقيات الاستثنائية ودورها في حياة الموظف    كلب ينقذ سائحاً من الموت    نيابةً عن سمو ولي العهد.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة» العشرين»    إدارة الخليج.. إنجازات تتحقق    في مؤجلات الجولة الثامنة بدوري يلو.. النجمة في ضيافة العدالة.. والبكيرية يلتقي الجندل    25% من حوادث الأمن السيبراني لسرقة البيانات    المعداوي وفدوى طوقان.. سيرة ذاتية ترويها الرسائل    القراءة واتباع الأحسن    جمع الطوابع    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    أرامكو توسع مشاريع التكرير    ثقافات العالم    مراحل الحزن السبع وتأثيرتها 1-2    الاستخدام المدروس لوسائل التواصل يعزز الصحة العقلية    تقنية تكشف أورام المخ في 10 ثوانٍ    نائب وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة لشؤون الدفاع بجمهورية نيجيريا الاتحادية    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    مجمع الملك فهد يطلق «خط الجليل» للمصاحف    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة المشارك بجلسة «التنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة» في قمة مجموعة العشرين    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    سلطنة عمان.. 54 عاماً في عز وأمان.. ونهضة شامخة بقيادة السلطان    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    لبنان نحو السلام    عودة للمدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في روتانا خليجية:عدنان إبراهيم يُروِّج للرحمة
نشر في الشرق يوم 27 - 08 - 2013

في مقطع من مقاطع اليوتيوب استمعتُ إلى أحدهم -بالمصادفة- وهو يصنف الدكتور الجهبذ عدنان إبراهيم، يقول إنه من غلاة أحد المذاهب المغمورة، لا أريد أن أسميه الآن. هذه النزعة المتهورة لتصنيف الأفذاذ، لتصنيف هذه العقول الفارقة ذكرتني بقول أبي العلاء:
ورائي أمامٌ و الأمام وراءُ إذا أنا لم تكبرني الكبراءُ
بأي كلامٍ ذامني متجاهلٌ عليَّ وخفقُ الريح فيَّ ثناء
إنني لا أحبذ أن يكون هذا لسان عدنان إبراهيم، غير أن أبا العلاء شخَّص هذه الطبيعة النافية للناس في قوله: (ذامني متجاهلٌ عليَّ)، أما ثناء خفق الريح فواقعٌ شعري لا يعتد به. وأنا في الحقيقة لا أريد أن أبرر هذه الطبيعة الجحودة لامتيازات الناس، أعني نزعة تصنيفهم بطريقة الانتقاص والتقليل من شأنهم ولو أن لهؤلاء الجحَّادين من الفقه ما يكفي لأمسكوا عن القطع في شأن تدين الناس ومراتبهم عند ربهم. يمكن أن نبرر التصنيف فيما هو دون الدين. التصنيف في الدين لا يكفي فيه أن تسمع كلمةً لتقول رأيك، ولا حتى أن تصاحب من تريد تصنيفه لزمنٍ طويل، والذي ينجي من هذا كله، من هذه النزعة (الملقوفة) المقيتة أن لا نجعل هذا من شأننا ولا من همنا، لكنه الغرور والاستعلاء وتحويل الدين، حتى الدين، إلى ما يشبه النسب القَبَلي، يتحول التصنيف الديني بهذا الاعتبار إلى معادِل للتصنيف القبلي. هذا جين ثقافي خطير، وهو جذر أزمة التصنيفات عند هؤلاء الناس. حتى وعيهم وعي قبلي هرمي وهم لا يشعرون. التصنيفات تحتدم في البيئات ذات الثقافة القهرية التي لا تفهم القيمة بوصفها قيمةً أخلاقية ومعرفية قدر ما تفهمها على أنها تواطؤ اجتماعي أو شيء يمكن نهبه أو ادعاؤه أو التواطؤ عليه. هذه هي المسألة باختصار.
إن ذروة القيمة الأخلاقية أن نتهم أنفسنا أكثر من أن نتهم غيرنا، وهذا لا يحدث في العادة إلا حين يتحقق شرط أخلاقي سابق ذو صلة بفهم الدين، وفهم الدين هذا أو فقهه هو أيضًا ذروة التدين، فهي تراتبات أخلاقية، كل مرتبة شرطٌ لما دونها حتى نبلغ بأنفسنا ذروة اتهام النفس، وأنا أعدها ذروة أخلاقية وإن كان هناك ما هو أعلى منها بوصفه شرطًا لها، أعدها ذروة أخلاقية لأنها حائل أخلاقي ومعنوي يعطل تآذي الناس، ينتفي انشغالهم بالاستعلاء حين تتطامن معنوياتهم فلا يصيبها التيه. إنني أعتقد أن أزمة العربي تتغذى من هذا الجذر الواهم، التيه المعنوي، التيه المعنوي هذا لا ينطفئ لهيبه إلا حين تشتغل عليه الذروة الأخلاقية التي أسميها (التطامن).
هؤلاء الذين يصنفون الناس بجرأة غبية ليسوا متطامنين، إنهم انغلقوا على أفكار غير محايدة، على أفكار دينية تشبه الأفكار القَبَلية. فإذا كانت أفكارنا القبلية قاطعة واهمة، فإن أفكارنا الدينية قد تلتبس وتتقمص صفة أفكارنا القبلية هذه، فنتحول إلى تعصبات دينية غير نزيهة ونحن في غفلة. ومن ذلك فإن الذين شحذوا ألسنتهم، يصنفون هذا العقل العبقري الذي لا يبلغون معشاره –في ظني- إنما يفعلون هذا بأثر سطوة حقلهم المعنوي على عقولهم، الحقل المعنوي المنحاز هذا ذو أثر أعتى من أثر الحقل المغناطيسي على الأشياء، الحقل المغناطيسي قد يكون جاذبًا وقد يكون دافعًا، تتنافر الأقطاب حين تتشابه وتتجاذب حين تختلف، والحقل المعنوي لهؤلاء الناس –بكل أسف- لا يمكن أن يكون إلا دافعًا غير جاذب، لسبب واحد هو أنه لا يعي معنى الاختلاف، وأنه واقعٌ محتوم، فهو يضيق ذرعًا بالاختلاف. الاختلاف في وعيه يساوي عدم الإمكان، فهو يرى الواقع بالصورة التي يرى صحتها، هو يرى المرادات أكثر مما يرى الحقائق الواقعية، فيتنافر مع سواه بقانون معنوي غير مرئي، إنه ينفر من المشابهة التي لا يرتضي غيرها، بأثر نفسي، مع أن شخصية الأفكار التي تقابله مختلفة عنه وأوْلى أن تكون جاذبة. هذه الطبيعة صلدة واحدة بألسن متعددة. الكثرة شيءٌ واحد، فهم لا يتنافرون من تشابههم لأنهم يشبهون الشيء الواحد تمامًا، إنما مع غيرهم يكون الواقع اختلافًا في اشياء متعددة، والأثر يكون أثر الأقطاب المتشابهة لأنهم يروْن ما يريدون وهم لا يشعرون فيكون الناتج دفعًا وتنافرًا ورفضًا.
لماذا يفعل العقل هذا؟ الدين في الحقيقة يتوجه إلى عقل أولي يستجيب ويعمل، وإلى عقل أعلى مرتبة ينظر ويفقه ويتساءل، وبينهما مراتب لا تنحصر، تقع فيها العقول المختلطة، هذه التي تحاكم غيرها على سبيل المفاصلة والنفي والإلغاء والتصنيف، تشتغل على الإدانات أكثر من اشتغالها على المعاذير. عقول تظن نفسها محيطة بمواقع الصواب، ووجه خطورتها أنها تكاد تحتكر المعاني وتقسم المراتب على غيرها.
وأنا أفهم الرحمة ضدًا لهذه الطبيعة الصلدة، وهو ما كان يروج له د.عدنان إبراهيم –في ظني- في برنامجه الرمضاني الذي عُرض على قناة روتانا خليجية خلال شهر رمضان الذي انقضى.
قناة روتانا خليجية كان صيدها سمينًا هذه المرة، لسببين: أنها وضعت يدها على معنى أن نخاطب الناس بألسنتهم، والثاني: أنها خرجت على الناس بلسانٍ عبقري متسع المعاني، دقيق الإشارات، ثري اللمحات، فنحن إذًا بإزاء مخاطبة الناس بلسانهم، وهذه مُلاءَمة باعتبارٍ نفسي ومعرفي وهي شرط تأسيسي في كل خطاب يستهدف أثرًا –بما فيه الديني- ونحن أيضًا بإزاء توسيع للطبقة –طبقة العقول- التي يتوجه إليها ذلك اللسان أو الخطاب، لأنه لسانٌ ثري انعتق من سطوة العقل المختلط الذي يقاضي الناس و يدينهم أكثر مما يعذرهم ويرحمهم.
لماذا أقول إن الرحمة: ألا تكون صلدًا، ألا تكون قاسيًا، ألا تكون حاسمًا، ألا تكون نافيًا و متشفيًا في الناس بنقصهم وقلة حيلتهم؟ هل هذا يوافق فكرة أن الرحمة: عدم الإيلام وحسب، نعم، يوافقها، إنما لا ينبغي أن ينطوي خطابنا على التخويف بالإيلام، و إن لم يقع. هذا مشروط بسياقات معينة، التخويف بالإيلام –لو أننا استعرضنا القرآن العظيم- سيبدو لنا واردًا في سياقٍ من الاشتراطات الواقعية في طبيعة من ينبغي تخويفهم بالإيلام.
لا يمكن أن نخاطب هذه الطوائف الواسعة من المسلمين بالتخويف، هكذا، والذي يُحسب لهذا الرجل العبقري أنه حفي بما يسميه (الرحمانية)، يقول: إن الكون كله مسيَّرٌ بالرحمانية وغارقٌ فيها، والرحمانية هذه كما يسميها لا ينبغي أن نصادمها نحن –كما أرى- بالتصنيفية التي لم يسلم هو من لهبها، إنها تعني التخويفية أيضًا، إذا أردتُ أن أستعير لغة هذا الجهبذ. الذين يصنفون الناس لا يفعلون هذا لأنهم يرحمونهم أو يحفظون لهم حق المشترَك الإنساني –على الأقل- قدر ما يفعلونه لأنهم يريدون تخويفهم وتطويعهم ويريدون الإعلاء من منزلتهم على حساب غيرهم. والدين لا يقبل مثل هذه النزعات والحيل أو حتى الطباع، وفكرة الدين التي تجعل التألي على الله تعالى عملًا قبيحًا مفتئتًا، إنما تحملنا على الحذر وفهم طبيعة الدين المستعلية على الاستحواذ والوصاية. إنه ليس شيئًا نملكه ونفسره كما نفهم نحن، بطريقتنا الخاصة، وعقلنا المحدود على سبيل القطع واليقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.