حين تقرأ التاريخ تقرأه وأنت تنظر له كنتاج بشري ويعنيك فيه الشخصيات أكثر مما يعنيك فيه أي شيء آخر وهذا عائد لنظرتنا إلى التاريخ على أنه «نتاج البشر». الحتمية المادية للتاريخ تكلم عنها ماركس ولكنه كان متطرفا حتى قال زميله إنجيلز، إن اختراع فكرة الزواج كانت بسبب اكتشاف المحراث الزراعي الذي أدى لتضخم ثروة المزارع فصار يهمه أن يعرف أبناءه لكي يورثهم فاخترع فكرة الزواج!. الصحيح أن التاريخ يخضع لحتمية المادة ويقصد بها الظروف المحيطة والأدوات المستخدمة في كل نواحي الحياة التي تشكل وعياً جمعياً يؤدي لنشاط و فعل معين ما كان ليحدث لولا تلك الأشياء «المادية» المكونة له. نأخذ مثالا على ذلك، خروج المرأة للعمل في المجتمع الإنساني فهو ليس نتاج «قناعة فكرية» بقدر ما هو نتاج توفر ظروف تجعل عمل المرأة شيئا سهلا وعاديا كوسائل الاتصال والتكنولوجيا التي حولت «عضلة العامل الرجل» إلى أزرة على لوحة المفاتيح صار سهلا أن تنقرها وتتحكم فيها حتى إصبع الطفل!. وحين ننظر للأمر بشكل أشمل في واقعنا نجد أن هناك كثيرين يجنحون إلى تقديم «عقيدة السنن الإلهية» في قلب وتغيير المجتمعات على عقيدة التكامل والتناغم والتدرج المادي فيظلون ينتظرون ويحشدون مسوغات الانتظار في النصوص المقدسة. لا شك أن لله قدرة نافذة في تسيير البشر ولكنه لم يأمرنا بانتظار المعجزات أو بالنظر لكل كارثة على أنها مؤامرة عقدية فمثلا الغرب لا يهمه إلا مصالحه المادية ونحن نقابل سعيه الحثيث الذي قد يدمر قيمنا أو قناعاتنا كنتيجة حتمية مادية أنه مكر عقدي!. الغرب لم يخترع الإنترنت لنشر الإباحية في بلداننا ولكنها نتيجة حتمية لتطور علم الكمبيوتر ومواجهة لذلك لا تكون برفض التطور ولكن بمعرفة واستشراف إلى أي مدى سيصل بنا ذلك التطور وكيف سيغير حياتنا. ومع ذلك فإن المجتمعات الأيديولوجيةوالدكتاتورية تتطرف فيها الفكرة فتصبح هي الحاكمة على المادة بشكل تام بل وحاكمة حتى على الإنسان وتقوم بتحويله إلى كائن هلامي يتشكل حسب الفكرة المملاة عليه. وفي النهاية يقال في التاريخ ما قيل في الإنسان لا مخير و لا مسير!.