فايع آل مشيرة عسيري كان لديَّ إحساسٌ متقدٌ بما يكفي أن أكونَ ذات يومٍ على قارعة طريق مألوفٍ بالأقدام، قارعة تقرع أجراس التحديات في خضم واقع مملوء بالأحداث المتجددة تارة والذكريات تارة أخرى.. إنها طلاسم الفجر السعيد حين ينسلخ من ظلام اللحظة.. على قارعة الطريق يصمت الكلام وتتحدث الذكريات واللحظات، الدمعات، الأغنيات، الصرخات، البدايات الباكيات.. هناك على قارعة الطريق تلعب الطفولة تحت زخات المطر أشدو بأنشودة المطر.. يشاركني فجر طلٍ، وبقايا بردٍ وسرب حمامٍ كقصاصات الورق.. على قارعة الطريق يمتطي الضباب صهوات الجبال ويفيض الحب بدفئه جنبات المكان. في عرض السطور تتبدى أحلام الربيع ونسمات الأمل. هناك حيث السهول والمروج الخضراء والحقول وحبات القمح الصفراء على وجه أبي.. صوت الأصداء على لوحة الأمس القريب.. أغنية حب يعم صداها الجبال هناك حيث صخور الحاضر تصدم بأمواج الظروف. بين هذا وذاك تتبدى عظاتٌ وعبرٌ في فصول الحياة المملوءة بالورد والشوكِ وحبٍ تاه في صروف أمانٍ وليال قارسة فائتة.. تغوص الأنظار في بحر البحث عن الذات! فعلك تجدها هناك على قارعة الطريق حيث شتاء الظروف أم خريف العمر أم صيف الوداع أم لعله ربيع يبكي ذكرياتي.. في منزلي والسمر.. في نبرتي والسفر.. في دمعتي والقهر.. أيها العازف على أطلالي ومذكراتي أما استوقفتك قريتنا ذات صباح تغرد بلحن حب قد مضى.. لحن طفولة قد سرى.. لحن أمي عند المساء.. لحن لقاء بعد طول البعاد، وعناء رحلة، وصلب عاشقٍ قد سقط، وهائم قد نحل؟.. أيها العاشق.. أيها العازف أما عزفت على قمم الجبال لحن السحاب أما هاجت بك وماجت سنابل قريتي؟.. أما سمعت صوت أبي وفأسه الصغير؟.. أما تاقت بك قريتي الحالمة عند مضخة البئر البعيد؟.. أيها العازف أما أبكاك خرير مائها ودموع سحابها؟.. أيها العازف أما طاشت بك ذكرى مساء وشتاء؟.. أيها العازف أما استمعت لجدتي والعنزات الثلاث والمطر بين ثناياها.. ولثغة تزين حديثها العذب؟.. أيها العازف أما صرخت من سباتك العميق ونفضت غطاءك المخمول وصحت في وجه الجبال وهي تصافح السحاب؟.. أيها العازف على كدحي والألم.. أما شاهدت أمي والفجر، وإخوتي تحت المطر؟! أما شاهدت قريتي كيف ترقص وتغني وتداعب في سبات وسكر، وجنة تصرخ بين ألوان الزهر؟.. أيها العزف لاترحل.. فأنت حلمٌ، وقصةٌ قد تكتمل ذات يوم! ومضة.. أنت من علمتني ذات يوم أن الحياة لا تتحقق إلا للأوفياء فقط.