الرياض، جدة – نايف الحمري، رنا حكيم أبانمي: تفعيل النقل العام سيرشِّد هدر الوقود ويحافظ على البيئة. توصيات الصندوق اقتصادية صرفة.. ولا تعجب غالبية الشعوب. التقرير وصَّف تحديات الاقتصاد ضمن المشاورات المشتركة. زيادة الأسعار قد تكون الخيار اللاحق بعد تطوير النقل العام. القحطاني: تقارير «النقد الدولي» ناقصة.. الأهلية وتنظر بعين واحدة. رفع الأسعار يجب أن يقتصر على الأسعار الخارجية دون الداخلية. المملكة أدرى بطرق حماية فقرائها.. ولا نحتاج لتقرير «النقد الدولي». مطلوب عقد مؤتمر اقتصادي موسع لبحث خلق اقتصاد موجّه وحُر. كشف اقتصادي عن أهمية تفعيل تجربة النقل العام للحد من الاستهلاك المفرط للطاقة، لكنه رأى أن إعادة هيكلة أسعار الوقود تتطلب وقتاً، لكنها مطلوبة على المدى البعيد لتنظيم الاستهلاك. في حين دعا اقتصادي آخر إلى قصر ارتفاع أسعار الوقود على الأسعار الخارجية، واستثناء المواطنين من تطبيقها في الداخل بحيث يمكن فقط أن تطال الشركات الكبرى. ورأى أن المملكة أدرى بمتطلبات الفقراء فيها من صندوق النقد الدولي، وتتخذ تدابير متوازنة لإعادة الهيكلة، مشككاً في نيات صندوق النقد تجاه المملكة، حيث ارتبطت سياسات رفع الأسعار في الدول التي طبقتها باضطرابات داخلية، ما يتطلب النظر إلى تقارير الصندوق بكثير من الحذر. وكانت توصيات تقرير صندوق النقد الدولي الأخير بخصوص أسعار الوقود في المملكة، أثارت تساؤلات عديدة حول الهدف من ورائها، ومدى حقيقة الأزمة التي تحدثت عنها، لكنها طرحت أيضاً حلولاً قد يكون لها انعكاسات سلبية عديدة على المجتمع السعودي بخصوص أسعار الوقود. فقد أوصى الصندوق في تقريره برفع تلك الأسعار التي رآها متدنية جداً، كما رأى أن الميسورين هم المستفيدون من تدني أسعار الوقود، لكنه حذر المملكة من إهدار طاقتها مقابل أسعار غير مجزية، كما دعا إلى إجراءات من قبل المملكة لضمان عدم تأثر الفقراء بارتفاع أسعار الوقود. ويبدو من ظاهر التقرير أنه سيناريو يتكرر من قبل الصندوق يكشف عن نيات قد تبدو غير مطمئنة تجاه المملكة، حيث ارتبط ارتفاع أسعار الوقود دائماً في البلدان التي طبقته بإثارة صراعات داخلية وهذا ما دعا إلى طرح هذه القضية لنقاش هادئ للوقوف على أبعادها، وما تخفيه من نيات. توصيات تتطلب وقتاً راشد أبانمي فمن ناحية، تتطلب توصيات صندوق النقد الدولي حول رفع أسعار الوقود في المملكة لخفض معدل استهلاك الطاقة وقتاً لتعديل هيكل الإنتاج والتكلفة، لتظل قادرة على المنافسة. وهذا ما يوضحه رئيس مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية الدكتور راشد أبانمي الذي يشير إلى أن منطلقات هذه التوصيات توجب علينا تصحيح مفاهيم عامة عن صندوق النقد حتى تكون تحليلاتنا موضوعية وهادفة. ويرى أن توجهات صندوق النقد الدولي اكتسبت سمعة خاطئة كون توصياته تكون اقتصادية صرفة ولا تعجب عامة الشعوب خصوصاً النامية. فالهدف الأساسي من إنشاء الصندوق كمؤسسة مركزية في النظام النقدي الدولي، هو تعزيز سلامة واستقرار ونمو الاقتصاد العالمي، ومنع وقوع الأزمات في النظام عن طريق تشجيع البلدان المختلفة على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة، من خلال التقارير والتوصيات العلمية المحكمة أو حتى الدعم المالي الذي يستفيد من موارده الأعضاء الذين يحتاجون إلى التمويل المؤقت لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات، وتيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، من خلال مراقبته التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية في البلدان الأعضاء وعلى المستوى العالمي، وإشرافه على السياسات الاقتصادية للبلدان الأعضاء بأداء الاقتصاد ككل وهو ما يشار إليه في الغالب بأداء الاقتصاد الكلي. ويشمل هذا الأداء الإنفاق الكلي وعناصره الأساسية مثل الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات الأعمال والناتج وتوظيف العمالة والتضخم، وكذلك ميزان المدفوعات في البلد العضو، أي ميزان معاملاته مع بقية العالم، ومن ثم تقديم المشورة بشأن السياسات الاقتصادية لأعضائه استناداً إلى الخبرات التي اكتسبها منذ تأسيسه، وتأسيساً على ذلك فالتقارير القطرية الدورية للدول مهمة جداً لتحديد أو تصحيح المسار الذي تنتهجه للدول الأعضاء، كونها تحمل في طياتها خبرات جمة واستشرافاً علمياً منطقياً للمستقبل. تحديات اقتصادية وبينما يشخّص صندوق النقد الدولي في تقريره الآفاق الاقتصادية للمملكة بشكل عام ويصفها بالإيجابية في الأجل القريب، ويُتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي 4% خلال عام 2013، و4.4% عام 2014. فإنه يلفت النظر، على حد ما يشير أبانمي، إلى التحديات التي يواجهها الاقتصاد السعودي والسياسات اللازمة لمواجهة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والضغوط الديموغرافية، وارتفاع معدل البطالة والإسكان وتزايد استهلاك الطاقة بشكل متعاظم، والحاجة إلى الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي مع تعزيز النمو غير النفطي، وإدارة الطلب على الموارد الطبيعية والحاجة الملحة إلى ترشيد الاستهلاك المحلي للطاقة. ويبين أبانمى أن التقرير الأخير الصادر عن الصندوق لشهر يوليو المنصرم، جاء ضمن مشاورات المادة الرابعة لعام 2013م مع المسؤولين في المملكة حول مختلف التطورات والسياسات الاقتصادية؛ حيث تنص المادة الرابعة من نظام تأسيس صندوق النقد الدولي على إجراء مناقشات ثنائية مع الدول الأعضاء، على أساس سنوي؛ حيث يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة الدولة العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذه الدولة. استهلاك مفرط للطاقة وفي الجزئية الخاصة بالاستهلاك المحلي للطاقة، يقول أبانمي إن التقرير أشار إلى أن الاستهلاك المحلي للطاقة سيستمر في الارتفاع على نحو حاد، وبين أن المملكة هي من أعلى البلدان على مستوى العالم من حيث مستوى استهلاك الفرد للطاقة وذلك لانخفاض أسعار الطاقة محلياً. كما أن الدعم الحكومي للطاقة حفز على الاستثمار في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وتصاعد وتيرة الاستهلاك المحلي للطاقة، والبالغ 16%، وفقا للتقرير وإذا ما استمر نمو الاستهلاك المحلي بالمعدلات الحالية، فسيتجاوز 20% من الناتج في عام 2018م. ويبيّن أنه نظراً للاستهلاك المفرط في الطاقة فلقد قرع خبراء الصندوق الأجراس. وأوصى التقرير بالبدء في وضع خطط لزيادة الأسعار المحلية للطاقة تدريجياً؛ حيث إن ذلك، من وجهة نظر الخبراء العالميين، سيساعد في الحد من النمو السريع للاستهلاك المحلي، وتقليص الحوافز في نموذج النمو الحالي التي تشجع الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، وتعزيز وضع المالية العامة. ونوه التقرير بأن أسعار الطاقة المنخفضة ينتفع بها السكان الأغنياء وميسورو الحال، وفي الوقت نفسه فإن زيادة أسعار الطاقة سيكون لها تأثير سلبي على شريحة الفقراء والفئات الضعيفة، وعليه فسيتعين اتخاذ التدابير التعويضية اللازمة لتلك الفئات. أما من جهة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة فيوضح التقرير أنها تحتاج إلى وقت لتعديل هيكل الإنتاج والتكلفة، لتظل قادرة على المنافسة. ويبين التقرير أن التجارب الدولية في مجال إصلاح أسعار الطاقة تحتم وضع خطة محكمة لتعديل السياسات، وتنفيذها تدريجياً، وتعريف السكان والشركات بها، وشرحها لهم بوضوح. تدابير لتفعيل النقل العام ويلفت أبانمى إلى إشارة التقرير إلى أن المملكة بدأت في اتخاذ خطوات لاحتواء نمو الطلب المحلي على الطاقة وزيادة المصادر البديلة للطاقة، وتركزت هذه التدابير على جانب الطلب في الأساس على زيادة كفاءة الطاقة من تحسين المعايير المنظمة للبناء واستخدام الأجهزة الكهربائية. أما من ناحية العرض، فالمملكة تسعى حالياً لتنويع مصادر الطاقة عبر مواصلة تطوير إنتاج الغاز والاستثمار في الطاقة الشمسية لتلبية الاحتياجات المحلية، ووفقا لخطة المملكة في الأجل المتوسط، تبين المملكة موافقتها على أن اعتبار زيادة أسعار الطاقة خيار لاحق بعد بحث خيارات تطوير وسائل النقل العام، وهذا بالفعل ما أكدته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مؤخراً من أن رفع أسعار الوقود قد يكون ضمن تلك الحلول التي تساهم في اتجاه شرائح كبيرة من سكان العاصمة لاستبدال التنقل بالمترو والحافلات، عوضاً عن التنقل بالمركبات، لا سيما أنه سيحقق الأهداف الاستراتيجية للنقل العام في تقليل هدر الوقود والمحافظة على البيئة. قيود رفع الأسعار من جانبه يشكك الخبير الاقتصادي الأستاذ الجامعي في جامعة الدمام الدكتور محمد دليم القحطاني في نوايا التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي، متسائلاً لماذا لم يوجه تقرير مشابه لفنزويلا وهي الأقل سعراً في الوقود مقارنة بالمملكة، وهي إحدى الدول الأعضاء في الصندوق مثلها مثل المملكة؟ ويشير إلى أن التقارير الصادرة عن الصندوق تبنى على إحصائيات وأرقام صادرة من وزارات وجهات معنية من الدول التي يخدمها وتدفع حصتها فيه، وهو يخدم جميع الدول الأعضاء فيه ويحاول ضبط الوضع الاقتصادي، إلا أنني – والحديث مازال للقحطاني – أتمنى أن يقتصر رفع الأسعار على الأسعار الخارجية وليس الداخلية في المملكة، وأن تقتصر تلك الأسعار المرتفعة على الشركات الكبيرة مثل القطارات والنقل الجوي وليس على المواطنين. الوقت غير مناسب ولم يستبعد القحطاني وجود سيناريو يتكرر من قبل الصندوق يكشف عن نوايا غير جيدة تجاه المملكة، خصوصاً مع سابقة ارتباط رفع أسعار الوقود بالصراعات الداخلية في جميع الدول التي طبقته، مشيراً إلى صعوبة التنبؤ بنتائج وأسباب هذا الرفع سواء كانت إيجابية أو سلبية لغياب المعلومات والإحصاءات الدقيقة في المملكة، إلا أنه أكد رفضه لهذا الرفع لعدم جدواه الاقتصادية، ولأن المواطنين سوف لن يستفيدوا من هذه الارتفاعات. ويؤكد القحطاني أن الوقت غير مناسب لهذا الرفع في الأسعار، خصوصاً أن المملكة تسعى حالياً لتوطين الوظائف، وتعيش طفرة عمرانية وتنموية كبيرة في البنى التحتية، ولن يصب تأخر التنمية في مصلحة المواطن خصوصاً أن غالبية أفراد الشعب ليسوا من ذوي الدخول المرتفعة. مرحلة تصحيح ويلفت القحطاني إلى أن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة تصحيحية، بالإضافة إلى أن أسعار البترول العالمية مرتفعة في الأساس والسعودية دولة مصدرة والارتفاع سيعود بالنفع عليها، وبالتالي فإن فاتورة الارتفاع ستنعش الاقتصاد إذا ما أنفقت عائدات تلك الأموال، التي تقدر بتريليونات الدولارات سنوياً، لتأسيس شركات بترول أو غاز جديدة في المملكة، أو تنفيذ اكتشافات بترولية جديدة، ستحقق المملكة من خلالها مصادر دخل جديدة وتنوعاً اقتصادياً كبيراً وتخلق وظائف جديدة، عندها فقط ستؤثر إيجابياً على الاقتصاد السعودي، أما إن كانت ستذهب كأموال وسندات مودعة في البنوك الأمريكية والغربية فإن تلك الزيادات لن تصب في صالح الاقتصاد السعودي. تقارير ناقصة الأهلية وفيما يتعلق بدعوة الصندوق للمملكة إلى اتخاذ إجراءات لضمان عدم تأثر الفقراء بارتفاع أسعار الوقود، يقول القحطاني إن الفقراء في المملكة لا ينتظرون من الصندوق التفكير فيهم، فهم لا يستخدمون الوقود لأنهم لا يملكون سيارات، لكنهم بحاجة إلى المسكن والمأكل قبل الوقود، خصوصاً في ظل انعدام الإحصاءات حول أعداد الفقراء في المملكة، مؤكداً أن المملكة أدرى بطرق حماية الفقراء من تقارير الصندوق وتوصياتهم. ويرى القحطاني أن تقارير الصندوق ناقصة الأهلية وناقصة المعلومات؛ إذ إنها تنظر إلى القضية بعين واحدة، على عكس الاقتصاديين السعوديين الذين ينظرون للأمور بعين على الداخل وأخرى على الخارج. وانطلاقاً من ذلك، يدعو القحطاني الجهات المعنية في المملكة، مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة المالية، إلى عقد مؤتمر كبير يجمع بين اقتصاديي الصندوق والاقتصاديين السعوديين، لمعرفة أفضل هوية للاقتصاد السعودي وأفضل الحلول لخلق الاقتصاد الموجّه الحر في المملكة. أسعار الوقود المدعوم يستفيد منه الأغنياء