كتَبَتْنا البناتُ على جدران ِالغرفِ وأغلقنَ الستائرَ. لم تكن أسماءَنا ظاهرة ٌللأمهاتِ، بل اندسَسَنا خلفَ الخزائنِ وانحفرتْ حروفنا الأولى في خشبِ النوافذِ أو انغرزنا كالإبر ِفي طيَّاتِ الوسائدِ. تشبّهنا مرة ًبالوردِ ومرة ًبعطرِ الليلِ ومرّاتٍ عديدةٍ عبرنا المرايا عندما عزَّ النومُ وانبرى ألمُ الوحدةِ يَغمسُ الأصابعَ في بردٍ وعتمةٍ. كتبتنا البناتُ واغتسلنَ بالماءِ في عجلةٍ من طرقةِ البابِ وكأنها رأتنا نتصَبَبُ. كتبتنا البناتُ حتى سالتْ رائحتُنا من الأسلاكِ، لهذا ابتكرنَ نقلَ الهواتفِ ظنّا ًمنهنّ أن حرَّاس ِالعائلةِ لن يفطنوا إلى حمرةٍ يتعثرُ بها الهمسُ. كتبتْنا البناتُ وحبسنَ أنفاسهنَّ. كتَبْنَا البناتِ على أسوار ِالبيتِ، كتبْنا صراحة َأسماءهنَّ على جدرانٍ تُسايرُ الباصَ إلى المدرسةِ وتعودُ به. كتبناهنَّ في الحصى وهو يرشقُ الزجاجَ، كتبناهنَّ بأخطاءٍ نادينا بها أخواتنا ولم نتنبّهَ ومراراً سجدنا السهوَ عندَ وسوسةِ أسمائهن. كتبناهنَّ في الدفاترِ وبطونِ الكتبِ، أدخلناهنَّ عُنوةً في الأغنياتِ وغلّفنا بهن الأحلامَ كل ليلةٍ لتمطرَ. لهنَّ رنَّةٌ لا تطولُ إلا في رجفةِ الصوتِ وارتعاش ِالكلام. كتبْنا البناتِ ورويْنا شَعرهنَّ. كتبْنا البناتِ وكتبتْنا البناتُ وسُرَّ بنا الشجرُ ولم يخلعَ أسماءَنا. وها نحنُ بعدما نضجَ الكلامُ واستوتْ أجسادُنا على عرش ٍوشتاء، نحنو على عباءة ٍطويلةٍ وسواد ٍهائل ٍدونَ أن ندري؛ كيفَ تابَ الوردُ ومَن قطفَ أسماءهنَّ من الجدرانِ ومتى صارَ الماءُ لا يشفي ولا الأحلامُ أحلاماً. حطبٌ والنارُ تغصُّ بالحروف.